مع مطلع عام2011 ومع اندلاع ثورة25 يناير المجيدة, تعالت الاصوات مطالبة بتحويل المجتمع إلي مجتمع ديمقراطي مبني علي تكافؤ الفرص بما يكفل لشعبه العظيم ما يستحقه من رخاء وعدل وحرية ويضمن لافراده حياة كريمة.
ولكن ظل السؤال المطروح ما هو السبيل لتحقيق ما نصبوا إليه من تغيير ومن اين نبدأ, وكثرت الاراء والمقترحات والمشـــاريع ولعل احدها ما طرحـــه العالم المصـــري الجليل د. احمد زويل للنهوض بالبحث العلمي, والقائم علي اساس انشاء مدينة علمية مبنية علي التقنية العالية لاتقل ان لم تكن منافسة للمعاهد البحثية العلمية في الدول المتقدمة.
ولكن ليسمح لي القارئ ان اطرح بعض التساؤلات التي تدور في ذهني كمواطن مصري غيور علي شعبه اولا وكأحد العاملين في مجال البحث العلمي في مصر ثانيا.
هل هذا المشروع الضخم والعظيم هو البداية المناسبة لتوفير الرخاء المنشود لمصر ذات الموارد المحدودة والتي تعاني من مشكلة سكانية لاتخفي علي احد؟ ثم هل مصر لديها من الموارد مايكفل لهذا المشروع الضخم الاستمرارية, وهل حقيقة هذه هي البداية المناسبة للنهوض بشعب تعاني نسبة كبيرة منه من الفقر والبطالة والأمية؟
في الدول النامية ومن ضمنها مصر فهناك فجوة كبيرة بين مستوي المجتمع ومستوي البحث العلمي, فإجراء ابحاث علمية تواكب التقدم العلمي العالمي يتطلب توفير احدث الأجهزة العلمية ذات التقنية العالية بملايين الدولارات ولكن نتيجة الفجوة الكبيرة بين مستوي المجتمع والبحث العلمي ولايستطيع المجتمع توفير ما يتطلبه البحث العلمي من مستوي عال من التعليم والعمالة الماهرة لصيانة هذه الأجهزة الدقيقة كما انه لايستطيع تصنيع قطع الغيار اللازمة لها فيلجأ للغرب لملء هذا الفراغ بتكاليف باهظة قد تفوق سعر الأجهزة نفسها ويستمر النزيف المالي لموارد الدول النامية, خاصة وان للأجهزة العلمية عمرا افتراضيا, اذ يجب تحديثها وتطويرها بصفة مستمرة نتيجة التقدم العلمي السريع في العالم.
لذا قد يكون من الاجدر ان تقوم الحكومة المصرية بتشكيل لجنة قومية لجرد الاجهزة العلمية التي لاتعمل اولايستفاد منها في الجامعات ومراكز البحوث اما بسبب عدم توافر قطع الغيار اللازمة باهظة التكاليف او لعدم وجود عمالة علي درجة مناسبة من الكفاءة للتعامل معها وصيانتها, وسيظهر حينئذ ان هناك ملايين الدولارات من اموال الشعب لاتعود عليه بالفائدة, وحتي اذا تمكن الباحثون من اجراء ابحاث علي مستوي عالمي, كما هو متوقع من المدينة العلمية التي اقترحها د. زويل, فإن المجتمع لن يتمكن من تطبيقها أو الاستفادة منها بسبب الفجوة الكبيرة بين مستوي المجتمع والبحث العلمي, ولكن المستفيد الأكبر من هذه الابحاث هو المجتمعات الغربية اوروبا وامريكا والدول المتقدمة صناعيا.
بل اسوا من ذلك ان الباحثين وطلاب العلم الذين تدربوا علي هذه الأجهزة واكتسبوا الخبرة سوف يواجههم واقع المجتمع الذي لايخفي علي احد وهو عدم وجود الفرص أو الوظائف المناسبة لتطبيق ابحاثهم او الاستفادة من خبراتهم مما يدفع اكثرهم إلي الهجرة إلي أمريكا وأوروبا والتي سوف تستفيد مما انجزوه, وبذلك سيستمر نزيف الاموال وهجرة العقول المصرية إلي الغرب ويصبح الوضع اشبه بالاستعمار العلمي, ويحصلوا علي موارد البلد بأقل التكاليف ويصدروا لنا الأجهزة العلمية وقطع الغيار باعلي الاسعار.
وانا اعتقد ان احد الحلول هو ما سبق ان اقترحته في مقال سابق بجريدة الأهرام بتاريخ2011/5/12 عن كيفية النهوض بالتعليم والبحث العلمي في مصر.
وذلك عن طريق انشاء دوائر للتميز في قطاعات التعليم والبحث العلمي, تضم افضل الكفاءات مما يدفع بقية العاملين في كل موقع إلي التنافس لدخول هذه الدوائر ومن ثم رفع كفاءة ومهارة الافراد في كل قطاع, وهذه الدوائر يمكن تعميمها علي جميع قطاعات الانتاج في الدولة, ان التنافس الداخلي في كل قطاع سيؤدي لرفع كفاءة العاملين به ومن ثم تحسين وزيادة انتاجية المجتمع والارتقاء بمستواه ويبدأ التقارب والتفاعل مع البحث العلمي.
ان المستفيد الأكبر من هذه المشاريع هي الولايات المتحدة الأمريكية, وعلي سبيل المثال مشروع د. زويل اذا تم صرف مليار جنيه علي انشاء المدينة العلمية المقترحة فانها ستحتاج لما يصل إلي مئات الملايين من الجنيهات مصاريف تشغيلها سنويا فهل تستطيع المدينة توفير هذه المبالغ الضخمة سنويا؟
واذا كان مصدر التمويل هو الحكومة المصرية فسيكون ذلك علي حساب الجامعات ومراكز الابحاث الحكومية وايضا علي حساب التعليم الجامعي, انه نزيف للاموال المصرية والعائد لن يكون بحجم المصاريف نتيجة الفجوة الكبيرة بين المجتمع والبحث العلمي, ولماذا هذه الجامعة تحديدا وهناك أكثر من عشرين معهدا وجامعة خاصة بمصر تسهم فعلا في التعليم العالي, وسيكون حينئذ لهذه المعاهد والجامعات الخاصة الحق في مطالبة الدولة بالإسهام في تمويلها.
انا لا احاول التقليل من أهمية البحث العلمي ذي التقنية العالمية لمصر والذي اتشرف بكوني احد العاملين في هذا المجال لاكثر من اربعين عاما.
فيوجد العديد من أحدث الأجهزة العلمية في مراكز البحوث والجامعات المصرية وينشر الباحثون في هذه المراكز والجامعات العديد من الابحاث الجيدة في ارقي المجلات العلمية, ولكن معظمها لايستفاد منه بسبب الفجوة العلمية.
كلنا نحب مصر ونرغب في النهوض بها, فلنتكاتف جميعا ونعمل لرفع مستوي المجتمع حتي نجني ثمار البحث العلمي
http://ahramonline.org.eg/ Community.aspx?Serial=762090
هل تحقق مدينة زويل الرخاء لمصر؟ المصدر: الأهرام اليومى بقلم: ثروت محمود الشربينى
الدكتور ثروت محمود الشربينى الأستاذ المتفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة .
ولكن ظل السؤال المطروح ما هو السبيل لتحقيق ما نصبوا إليه من تغيير ومن اين نبدأ, وكثرت الاراء والمقترحات والمشـــاريع ولعل احدها ما طرحـــه العالم المصـــري الجليل د. احمد زويل للنهوض بالبحث العلمي, والقائم علي اساس انشاء مدينة علمية مبنية علي التقنية العالية لاتقل ان لم تكن منافسة للمعاهد البحثية العلمية في الدول المتقدمة.
ولكن ليسمح لي القارئ ان اطرح بعض التساؤلات التي تدور في ذهني كمواطن مصري غيور علي شعبه اولا وكأحد العاملين في مجال البحث العلمي في مصر ثانيا.
هل هذا المشروع الضخم والعظيم هو البداية المناسبة لتوفير الرخاء المنشود لمصر ذات الموارد المحدودة والتي تعاني من مشكلة سكانية لاتخفي علي احد؟ ثم هل مصر لديها من الموارد مايكفل لهذا المشروع الضخم الاستمرارية, وهل حقيقة هذه هي البداية المناسبة للنهوض بشعب تعاني نسبة كبيرة منه من الفقر والبطالة والأمية؟
في الدول النامية ومن ضمنها مصر فهناك فجوة كبيرة بين مستوي المجتمع ومستوي البحث العلمي, فإجراء ابحاث علمية تواكب التقدم العلمي العالمي يتطلب توفير احدث الأجهزة العلمية ذات التقنية العالية بملايين الدولارات ولكن نتيجة الفجوة الكبيرة بين مستوي المجتمع والبحث العلمي ولايستطيع المجتمع توفير ما يتطلبه البحث العلمي من مستوي عال من التعليم والعمالة الماهرة لصيانة هذه الأجهزة الدقيقة كما انه لايستطيع تصنيع قطع الغيار اللازمة لها فيلجأ للغرب لملء هذا الفراغ بتكاليف باهظة قد تفوق سعر الأجهزة نفسها ويستمر النزيف المالي لموارد الدول النامية, خاصة وان للأجهزة العلمية عمرا افتراضيا, اذ يجب تحديثها وتطويرها بصفة مستمرة نتيجة التقدم العلمي السريع في العالم.
لذا قد يكون من الاجدر ان تقوم الحكومة المصرية بتشكيل لجنة قومية لجرد الاجهزة العلمية التي لاتعمل اولايستفاد منها في الجامعات ومراكز البحوث اما بسبب عدم توافر قطع الغيار اللازمة باهظة التكاليف او لعدم وجود عمالة علي درجة مناسبة من الكفاءة للتعامل معها وصيانتها, وسيظهر حينئذ ان هناك ملايين الدولارات من اموال الشعب لاتعود عليه بالفائدة, وحتي اذا تمكن الباحثون من اجراء ابحاث علي مستوي عالمي, كما هو متوقع من المدينة العلمية التي اقترحها د. زويل, فإن المجتمع لن يتمكن من تطبيقها أو الاستفادة منها بسبب الفجوة الكبيرة بين مستوي المجتمع والبحث العلمي, ولكن المستفيد الأكبر من هذه الابحاث هو المجتمعات الغربية اوروبا وامريكا والدول المتقدمة صناعيا.
بل اسوا من ذلك ان الباحثين وطلاب العلم الذين تدربوا علي هذه الأجهزة واكتسبوا الخبرة سوف يواجههم واقع المجتمع الذي لايخفي علي احد وهو عدم وجود الفرص أو الوظائف المناسبة لتطبيق ابحاثهم او الاستفادة من خبراتهم مما يدفع اكثرهم إلي الهجرة إلي أمريكا وأوروبا والتي سوف تستفيد مما انجزوه, وبذلك سيستمر نزيف الاموال وهجرة العقول المصرية إلي الغرب ويصبح الوضع اشبه بالاستعمار العلمي, ويحصلوا علي موارد البلد بأقل التكاليف ويصدروا لنا الأجهزة العلمية وقطع الغيار باعلي الاسعار.
وانا اعتقد ان احد الحلول هو ما سبق ان اقترحته في مقال سابق بجريدة الأهرام بتاريخ2011/5/12 عن كيفية النهوض بالتعليم والبحث العلمي في مصر.
وذلك عن طريق انشاء دوائر للتميز في قطاعات التعليم والبحث العلمي, تضم افضل الكفاءات مما يدفع بقية العاملين في كل موقع إلي التنافس لدخول هذه الدوائر ومن ثم رفع كفاءة ومهارة الافراد في كل قطاع, وهذه الدوائر يمكن تعميمها علي جميع قطاعات الانتاج في الدولة, ان التنافس الداخلي في كل قطاع سيؤدي لرفع كفاءة العاملين به ومن ثم تحسين وزيادة انتاجية المجتمع والارتقاء بمستواه ويبدأ التقارب والتفاعل مع البحث العلمي.
ان المستفيد الأكبر من هذه المشاريع هي الولايات المتحدة الأمريكية, وعلي سبيل المثال مشروع د. زويل اذا تم صرف مليار جنيه علي انشاء المدينة العلمية المقترحة فانها ستحتاج لما يصل إلي مئات الملايين من الجنيهات مصاريف تشغيلها سنويا فهل تستطيع المدينة توفير هذه المبالغ الضخمة سنويا؟
واذا كان مصدر التمويل هو الحكومة المصرية فسيكون ذلك علي حساب الجامعات ومراكز الابحاث الحكومية وايضا علي حساب التعليم الجامعي, انه نزيف للاموال المصرية والعائد لن يكون بحجم المصاريف نتيجة الفجوة الكبيرة بين المجتمع والبحث العلمي, ولماذا هذه الجامعة تحديدا وهناك أكثر من عشرين معهدا وجامعة خاصة بمصر تسهم فعلا في التعليم العالي, وسيكون حينئذ لهذه المعاهد والجامعات الخاصة الحق في مطالبة الدولة بالإسهام في تمويلها.
انا لا احاول التقليل من أهمية البحث العلمي ذي التقنية العالمية لمصر والذي اتشرف بكوني احد العاملين في هذا المجال لاكثر من اربعين عاما.
فيوجد العديد من أحدث الأجهزة العلمية في مراكز البحوث والجامعات المصرية وينشر الباحثون في هذه المراكز والجامعات العديد من الابحاث الجيدة في ارقي المجلات العلمية, ولكن معظمها لايستفاد منه بسبب الفجوة العلمية.
كلنا نحب مصر ونرغب في النهوض بها, فلنتكاتف جميعا ونعمل لرفع مستوي المجتمع حتي نجني ثمار البحث العلمي
http://ahramonline.org.eg/
هل تحقق مدينة زويل الرخاء لمصر؟ المصدر: الأهرام اليومى بقلم: ثروت محمود الشربينى
الدكتور ثروت محمود الشربينى الأستاذ المتفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق