الأحد، 1 يوليو 2012

دعوة إلى وقفة مع النفس.. دكتورة لميس جابر .. المصرى اليوم .. العربية

لميس جابر هوجمت فى إحدى المرات من سيدة اتهمتنى بأننى أصبحت متخصصة فى الدفاع عن حكام مصر، وقالت متهكمة «الظاهر إنك هاتتخصصى فى هذا الموضوع المُخجل»!!..

طبعاً هى اعتمدت على أننى كتبت مسلسلاً عن الملك فاروق، والآن أكتب دائماً برفضى للإهانة والسباب والتلويث لرجل مصرى محارب كان على قمة الدولة المصرية ثلاثين عاماً.. وكان يمثل شعب مصر بين حكام العالم، وكان رمزاً للأمة المصرية.. وإن كان لابد من المحاكمة فلابد أن تكون بأدب وعدم التجاوز خاصة والقانون المدنى المصرى يقول إن المتهم برىء حتى تثبت إدانته..

وأيضاً طالما اختار الثوار وأولو الأمر المحاكمة القضائية فلابد أن تتم فى حدود القانون واحترام الحقوق التى يكفلها هذا القانون لكل متهم حتى لو كان «سفاح كرموز» أو «خُط الصعيد»، ثم توقفت عند هذه الجملة وتساءلت: وهل من المفترض والأكيد والمسلم به أن يكون ملوك وحكام مصر دائماً أبداً متهمين بكل ما هو مشين؟

ومن وضع هذه القاعدة؟ ومن جعل من هذا الأمر شيئاً معتاداً ومألوفاً؟ ولماذا منذ مئات السنين يتحول الحاكم «بعد أن يسقط طبعاً» إلى فاسد وفاسق وسفاح ولص وخائن؟


هذا المبدأ الغريب هو الذى جعلنى متهمة بالدفاع عن الحكام المصريين، وكلما حدثنى أحد الأصدقاء أو الأقارب حذرنى قائلاً: خدى بالك إنت كده بتدلقى الكلام وهايقولوا عليكى بتدافعى عن مبارك وعن النظام السابق.. حرّصى وحياة والدك شوية.. فأقول: أنا ظللت أهاجم النظام منذ أحد عشر عاماً ولكنى أترفع عن «مهاجمة» شيخ كان رئيساً وأصبح غير قادر على مجرد الدفاع عن نفسه، فهذا شىء أتقزز منه والنظام الذى سقط ليس شخص مبارك، وحتى إذا كان فأنا أرفض الصفعات من الذين كانوا يقبّلون الأيادى، وأرفض جداً الفوضى وعدم احترام القانون الذى طالما عانينا من ضعفه.. وأرفض جداً جداً أن يزايد أحد على وطنيتى.. وبعد كل نقاش حاد وعنيف أعود لأجد أن هذه العبارة تتردد فى أذنى بإلحاح «الدفاع عن حكام مصر».


عدت سريعاً لكتابى «كلوت بك» و«المصريين المحدثين» لأراجع ما كتبه الاثنان، الطبيب الفرنسى الذى أنشأ الطب فى مصر و«إدوارد لين» المستشرق الذى عاش فى مصر وأحبها، والاثنان عاصرا مصر أيام محمد على.. وتحدثا عن سمات الشخصية المصرية.


يؤكد الاثنان أن الشعب المصرى شعب عقائدى حتى النخاع مؤمن شديد الإيمان، لديه اعتزاز دينى شديد، وتفاخر بالتقوى والورع حتى لو كان بالكذب.. شعب مرح.. سريع البديهة دائم الفكاهة قوى الذاكرة صبور فى المصائب جداً، مؤمن بالقضاء والقدر، دائم الحمد والشكر وترديد كلمة «الله»، لا ينهى جملة بدون «إن شاء الله» ولا ينهى عملاً دون قول «الحمد لله» حتى تناول الطعام.. دائم البر والإحسان والتصدق والزكاة، والمصريون لديهم روح التعاطف والمودة والاحترام للغرباء حتى وإن تحاشوا عاداتهم وتقاليدهم، وأيضاً الفضول الشديد تجاههم وإذا حدث ما يعكر الصفو فهم يتكاتفون ضد الغرباء حتى لو كانوا على حق.. حسن الضيافة والكرم الشديد.. احترام الخبز احتراماً مبالغاً فيه إلى درجة التقبيل والوضع على العينين والحلفان على الخبز..


وأبرز سمات المصريين هى «عاطفة البنوة» واحترام الكبير بشكل عام، سواء كان أباً أو خالاً أو عماً أو معلماً أو حتى عابر سبيل، والشباب دائماً ما ينتفض واقفاً عند مرور رجل متقدم فى العمر.. والنداء بالأب والوالد والعم وكذلك الأم طبعاً والمصرى يحب الكسل أكثر من العمل والشقاء وبذل الجهد، والعند صفة أساسية، فالمصرى يرفض دفع الضرائب إلا بعد الضرب والجلد حتى إنهم يتفاخرون بعدد الجلدات ومن يدفع دون جلد بالكرباج يكون محلاً للاحتقار والخزى من الآخرين.. هم أجناد بواسل شجعان لا يتراجعون.


وهم أيضاً هجاؤون دوماً، وساخرون دوماً من حكامهم.. يسبونهم فى أغانيهم ويسخرون من القوانين الحكومية ويدعون من قلوبهم على الحكام أن يعانوا من القوانين والضرائب مثلهم، وأن يصيبهم الطاعون حتى يتخلصوا منهم.

وعندما نقرأ هذه الصفات الأخيرة نتوقع أنها بسبب الحكام الأجانب والعسكر الأتراك والألبان والأكراد الذين كانوا موجودين فى توقيت كتابة هذه الكتب، ولكن عندما نسرد الحكام والشعب المصرى وعلاقتهم نجد أن التنكر للحكام المصريين الخالصين كان أشد وأقسى، بعد خروج الفرنسيين وتولى محمد على الحكم، كانت الفوضى مازالت شديدة فصرخ المصريون فى العسكر قائلين (إن أيام المحتلين الفرنسيس كانت أفضل، على الأقل كانوا يعطوننا ثمن البضائع)..

وعند خروج الخديو إسماعيل من مصر منفياً وقف المصريون يلوحون له وهم يبكون، وعندما عاد فى صندوق ساروا فى جنازته بالآلاف يودعونه بالدموع ولكن عندما أعلن السلطان أن «عرابى» عاص على السلطة انفضوا من حوله بسرعة لأن عصيان السلطان من وجهة نظرهم كان كفراً، وبعد عودته من المنفى شيخاً هرماً اتهموه بالخيانة وكانوا يسبونه فى الشارع إذا رأوه.. وبعد أن خلع الإنجليز الخديو «عباس حلمى الثانى» وهو فى الأستانة انتظر المصريون رجوع أفندينا وسار الأطفال فى الشوارع يغنون (الله حى.. عباس جاى).. وجنازة الملك فؤاد رغم كره المصريين له لأنه كان عدواً لسعد زغلول حبيب الشعب والأمة - كانت جنازة مهيبة ومنظمة جداً وحاشدة جداً.. ثم بعد سقوط فاروق ورحيله بدأ الجهاد الأعظم.

تم سب وتلويث سمعة كل العائلة المالكة من رجال ونساء وأميرات صغيرات وكبيرات.. حتى بنات فاروق الصغيرات المقيمات معه فى إيطاليا نشرت عنهن فضائح أخلاقية مخزية ومسفة.. أما زعيم الأمة طاهر القلب واليد فقد كُتبت له الكتب واتهم بالعمالة للإنجليز والسرقة والرشوة والعمالة للملك، وزوجته «زينب الوكيل» اتهمت بكل شىء وحوكمت وشنعوا عليها بقصص وحواديت مريضة وغاية فى الحقارة وقلة الأدب.. وهتف الشعب لـ«نجيب» وعندما حاول الضباط الأحرار إقصاءه فى مارس 1954 ثار الشعب فتمهلوا قليلاً حتى أقصوه بحرفنة واعتقل فى منزل زينب الوكيل بالمرج لمدة سبعة عشر عاماً بعد أن نهبوا كل أثاث المنزل وتركوا له سريراً متهالكاً ومنضدة قديمة ووابور جاز وتمثالاً نصفياً لسعد زغلول.. هذا طبعاً غير الإهانة والبهدلة التى وصلت إلى درجة الضرب بالأيدى والأرجل.. وسكت الشعب، وبعد قليل هتف: ناصر.. ناصر. وما أعرفش مين اخترع أيامها «بالروح والدم» وأصبح نجيب خائناً كان يود أن يقلب نظام الحكم ويقود ثورة مضادة مع الإخوان ضد ثورتنا المصرية..

وعاد الشعب يهمس فى السر «ولا يوم من أيام الملك».. «دى أيام الإنجليز كانت أحسن من الأيام دى ميت مرة» وانهزمنا هزيمة مرة ومات عبدالناصر وسار الشعب يهتف فى الجنازة «الوداع يا جمال يا حبيب الملايين»، وتولى السادات وبدأ السباب فى عبدالناصر.. وأقول السباب ليس تقييم فترة حكمه بما لها وما عليها..


قالوا: ليس هو عبدالناصر لقد استبدله اليهود فى حصار الفالوجة بآخر يهودى.. وقالوا إنه على علاقة بواحدة يهودية.. بل تصاعد المزاد حتى قالوا إن أمه يهودية.. ثم قالوا إنه شيوعى.. لأ.. عميل أمريكانى.. شرس وقاتل وكان يذيب المعارضين فى أحواض الأحماض والجير الحى.. وهتفنا للسادات بعد قليل ثم بعد شهور قلنا «يوووه.. ولا يوم من أيام عبدالناصر»، حتى بعد أن كشفت مؤامرة قلب نظام الحكم المسماة «مراكز القوى» وهدم سجن أبوزعبل ومنع التسجيلات الأمنية..


وحاربنا فى أكتوبر وانتصرنا وبدأت اتفاقية السلام ورفضناها ثم هتفنا له ووقفنا على الصفين فى صلاح سالم نغنى ونصفق، وبالروح والدم، ومات السادات وبدأ سلو بلدنا وقيل من لم يسرق ويغتن أيام السادات لن يثرى فى حياته، وقيل الخائن باع سيناء لليهود وقيل عن جيهان السادات إنها كانت تحكم مصر وإن الوزراء كانوا يعملون لديها، وقيل قلة أدب برضه على الماشى، وجاء مبارك وشوية وهتفنا بالروح والدم ثم ولا يوم من أيام السادات ده كان زعيم بجد.. يا سلام.. وعشنا ثلاثين عاماً رعايا وهو رئيس وسرنا خلفه بالطوابير وخلف الهانم بالطوابير، ودون مبالغة ربما لا توجد سيدة من سيدات العمل العام والصحافة لم تسر فى ركب الهانم..


وسار الكثيرون خلف جمال مبارك يقولون له أنت العريس القادم.. وقلنا لعلاء أنت محبوب لأنك تشبه أباك جداً فى روحه.. وفى عيد ميلاد حسنى مبارك عام 2010 قلنا «يوم أن ولدت مصر» وفى 2011 «روح منك لله».. والآن يطالبون بالبهدلة والمرمطة والذهاب إلى طرة ويتساءلون: من سيدفع فاتورة علاجه؟؟.. وأخيراً الإعدام فى ميدان التحرير مطلب الجماهير.. هل يستحق هذا السلوك وقفة مع النفس لنسأل ماذا نفعل بحكامنا وبأنفسنا؟؟

http://www.alarabiya.net/views/2011/06/04/151757.html
* نقلاً عن "المصري اليوم"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق