الانتخابات الشرعية أثبتت قوة التيارات الاسلامية
رغم خوف المجتمعات التي اجتاحتها حمى الربيع العربي من وصول التيارات الاسلامية الى الحكم، إلا أن هذا الخوف تلاشى أمام صناديق الاقتراع، حيث استطاعت هذه التيارات انتزاع شرعيتها وصلاحيتها لقيادة المرحلة المقبلة ما خيّب آمال الليبراليين الذين قادوا الثورة نحو التغيير.
واشنطن: حالة من الخوف والفزع انتابت المجتمعات العربية التي اجتاحتها حمى الربيع العربي من وصول جماعات الإسلام السياسي فيها إلى دفة الحكم بعد أن جعلت منها الأنظمة السابقة الفزاعة التي تخيف بها الشعوب، بسبب توجهها الفكري والعقائدي الذي قد لا يتوافق مع انفتاحية العصر وهو ما قد لا يروق للبعض وخاصة الأقليات الدينية الأخرى التي ترى أن وصول هذه التيارات ظلم واستبداد لها.
و على الرغم من ذلك ما لبث أن تلاشى ذلك الخوف أمام صناديق الإقتراع. فقد استطاعت هذه التيارات انتزاع شرعيتها وصلاحيتها لقيادة المرحلة الحالية من خلال انتخابات حرة نزيهة. جاءت مخيبة لآمال الليبيراليين الذين أشعلوا فتيل الربيع العربي وقادوا الثورة نحو التغيير. و بهذه النتائج، أثبت تيار الإسلام السياسي اختراقه المجتمعات العربية وقربه من الناس في الوقت الذي ابتعدت فيه النخبة الليبيرالية عن جموع الناس وهو ما حسم الموقف لصالح الأولى.
من واشنطن: اعلنت مؤخرا نتائج الإنتخابات البرلمانية في كل من تونس والمغرب وبعدهما مصر والتي جاءت نتائجها لصالح تيار الإسلام السياسي الذي استطاع انتزاع أكبر عدد من المقاعد، ما يعني مشاركته الرئيسة في اختياره الرئيس القادم والمنهج الذي سوف تسير عليه البلاد.
وفي ظل ذلك، يرى البعض أن تفوق تلك التيارات يطرح تساؤلات مفادها كيفية نجاحها في ظل التخوف العام من منهاجها وفكرها المبني على السمع والطاعة، وهو ما يتعارض ومبدأ الديمقراطية والحرية الذي قد ينتهجه البعض؟ وكيف أخفق الليبراليون الذين لديهم مرجعيات سياسية وانفتاحية وقبول للحريات العامة.
الليبراليون أخفقوا في التطرق إلى علاقة الدين بالدولة
يرى دكتور القانون والعلاقات الدولية جلال ردواي أن ذلك يعود إلى ثلاث مسائل رئيسة كانت السبب في إخفاق الليبراليين في التطرق إلى مسألة الدين وكيفية فصلها عن السياسة. وهي علاقة ثلاثية الأبعاد (الدين والسلطة والدولة) . فلم يسهموا في بناء منهجية واضحة لعلاقة الدين بالسلطة والمجتمع بالدولة، بل جاؤوا مردّدين لما تعلّموه في الخارج عن الديمقراطية محاولين تطبيقه في العالم العربي وهذا أمر مستحيل. فالمجتمع لم يتحرر من أفكاره التي تتعارض بما ينادي به بعض الليبراليين. وبقي كل شيء على حاله، وظلوا هم من دون مرجعية سياسية واضحة تتوافق والمجتمعات العربية كما أن البناء الذي يتحكم بهذه المجتمعات منخرط داخل شروط التخلف التي هي ما قبل الدولة، ما يعني وجود فراغ سياسي قائلا: "الليبرالي والإسلامي لا يختلفان كثيرا. فكلاهما نتاج المجتمع نفسه وتحكمهما شروط التخلف نفسها، فلم يأت الليبرالي بمسائل جديدة تهم المواطن كتطوير الإقتصاد في ظل العولمة والتحديات المواجهة له وكيفية انفتاح المجتمع على المجتمعات الأخرى والقضايا المتعلقة بالعلاقات السياسية والإستراتيجية في ظل العولمة. بل ناقشوا المسائل الهامشية الأخرى كالنقاب والحجاب والمايوه وغيره من المسائل التي لا تحرز تقدما وتطورا في المجتمع."
التعالي على عامة الشعب ساهم في سقوط الليبراليين
يرى المحلل السياسي الدكتور محمد كمال الصاوي أن افتقاد بعض الليبراليين إلى المصداقية والنخوة وتعاليهم على الطبقة العامة من الشعب، افقدهم هيبتهم أمام الجماهير، وخاصة ازدواجية المعايير في ما يتعلق بالحريات الشخصية وتبني بعضهم مشروع حقوق مثليي الجنس و هو ما ترفضه المجتمعات العربية جملة وتفصيلا، بغض النظر عن أن هذه المجتمعات متديّنة بطبعها والدين وتعاليمه ركيزة أساسية في حياتهم. وهم عندما ينادون بقبول أشياء مخالفة للدين والشرع، بالطبع ستكون النتيجة هي الفشل.
ويعتقد الصاوي أن نجاح الإسلاميين وحصولهم على معظم المقاعد في البرلمان قد تحقق باتباع كافة الوسائل والأساليب التي لم تبدأ من اليوم بل منذ فترة طويلة.
فالإسلاميون تنظيم قوي ذات خبرة سياسية تزيد عن ٨٠ عاما وممول من عدة مصادر.
وهي جماعة قوية في الشارع العربي ولها تاريخ طويل، وهم الأقرب إلى الناس ويعملون في مجال خدمة الجماهير. كما أنهم استطاعوا وبذكاء الإستفادة من الظروف المحيطة بهم من خلال تصنيف التيارات السياسية على أساس الدين. فتيار الإسلام السياسي مبني على (الإسلام) والتيار الليبرالي على (الكفر). وقد تلاعبوا بالناخبين من خلال ذلك التصنيف فمن يريد أن يكون مع الله والدين فما عليه إلا أن يصوت لصالح الإسلاميين ومن هو على غير شاكلتهم فليصوت لليبرالي.
في حين يرى أن الحصول على أكبر عدد من المقاعد ليس هو المكسب الحقيقي بل المهم هو القدرة على إثبات الوجود من خلال استمرار التواصل مع الناس وتحقيق تقدم في اقتصاديات تلك الدول، والقدرة على الإنفتاح على المجتمعات الأخرى وتحقيق العدالة والحرية والديمقراطية التي قامت من اجلها الثورات.
الإسلاميون وصلوا إلى السلطة بمزاج شعبي عام
ومن جهته، يرى الدكتور كمال حبيب القيادي السابق في تنظيم الجهاد والخبير في شؤون الحركات الإسلامية، أن وصول الإسلاميين إلى السلطة تم بمزاج شعبي عام موجود الآن في العالم العربي بدأ من تونس إلى المغرب ثم إلى مصر، وبذلك يكونون قد نالوا شرعية جديدة من خلال صناديق الإقتراع، مختلفة عن الشرعية التاريخية التي حصدوها من الدور الإسلامي. ووصولهم إلى السلطة هو قيد التجربة، فإما النجاح أو الإخفاق.
فيما يؤكد أن قدرة الإسلاميين على الوصول إلى السلطة ليست هي النجاح الحقيقي بقدر ما هو التعبير عن آمال الناس وطموحاتهم، وهي التحدي الحقيقي لهم فانتخابهم ونجاحهم يعد فرصة بحد ذاتها. والتحدي أكبر من الفرصة، كون هذه المجتمعات حكمت على مدى عقود، من قبل أنظمة مستبدة خلفت إرثاً كبيراً من المشاكل الإجتماعية والإقتصادية والبطالة المتفشية، وتحتاج إلى وعي سياسي وقدرة على تقديم الحلول السريعة المساعدة للخروج من الأزمة التي تعيشها الأمة في الوقت الراهن.
الإسلاميون لم يقدموا خطاباً يطمئن الناس بعد نجاحهم بل تحدث البعض منهم في أمور قد تكون ثانوية. ويستطرد قائلا:" هنالك تيارات اسلامية تقليدية لم تطوّر اجتهاداتها بما يتناسب مع العصر. ولكن يجب معرفة أن إدارة المجتمعات تختلف عن إدارة الجماعات، وهذا يتطلب تقديم حلول للمشاكل وتطوير الخطابات. وعليه، فإن الجماهير تسأل وتحاسب وتراقب ما يحدث. فهي من أتى بتلك النخبة.
فيما يعتبر أن اخفاق الليبراليين العرب يعود إلى تقصيرهم في تطوير نظريتهم الليبراليّة، حيث وقفوا عاجزين بين تطوير الليبرالية واحترام التقاليد العربية. وبقوا في مواجهة دائمة مع الشريعة الإسلامية والدين... قائلا : "الليبراليون العرب أخذوا الطبعة الليبرالية من منطلق غربي ولم يطوّروها بما يتناسب مع الدين . فوضعوا الديني في مقابلة مع المدني، وهو ما لا يمكن تجاوزه".
كما أن النخب المثقفة تعالت على الجماهير والناس واعتبرتهم أقل درجة ونظرت إلى نفسها على أنها الأرقى والأفضل وهذه النخب لم تنزل إلى الشارع لخدمة الناس، ما أبعد الجماهير عنها. مذكرا انه لا يجب أن ننسى أن محاربة الأنظمة الإستبدادية الدكتاتورية السابقة واعتبارها شراً، يجب منعه فهو ما أدى إلى تعاطف الناس معهم خاصة أنهم انبثقوا من فكر ديني عقائدي محافظ لا يخرج عن العادات والتقاليد. وبعض الليبراليين العرب تحالفوا في أوقات سابقة مع السلطة للتخلص من الإسلاميين لأنهم كانوا يشكلون خطرا عليهم. لذلك افتقروا إلى المصداقية لدى الناخب العربي.
ويؤكد حبيب أن التحديات التي ستواجه الاسلاميين ربما تكون كبيرة وتختلف من بلد لآخر تبعا لطبيعة البلد السياسية وانفتاحها على المجتمعات الآخرى. ويستطرد قائلا :” في التجربة التونسية الوضع مختلف كون تونس بلدا أكثر ليبرالية وانفتاحا على المجتمعات الغربية الأخرى وقد استطاع حزب النهضة إقامة تحالفات مع شخصيات علمانية.
وفي المغرب الوضع أكثر بريقا فحزب الحرية والعدالة المنتخب لديه وعي سياسي وتواصل مع فرنسا ولديه اجتهادات ويعرف كيفية إدارة المجتمع في ظل العولمة وتقديم حلول وبرامج اقتصادية جديدة تخدم الصالح العام. أما في مصر فالوضع أكثر تعقيدا ويعتمد على خبرة تلك الجماعات في إدارة المجتمعات، وهناك تمايز بين الحركات الموجودة، فكل حركة لها مسارها وفكرها واجتهاداتها الخاصة".
موقع ايلاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق