الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011
قميص عثمان فى التحرير..د. ياسر محمد فكرى : مدرس بطب الأزهر
ما أشبه الليلة بالبارحة . . وما زال التاريخ يعيد نفسه . . فنظرة سريعة على فتنة من أعظم الفتن التى واجهت الدولة الإسلامية فى صدر الإسلام . . وهى فتنة مقتل سيدنا عثمان . . وما تبعها من فتن ودماء غزيرة. . نلاحظ شبها كبيرا لما يحدث في مصر الآن . . وخاصة في ميدان التحرير. .
فالغوغاء قتلوا سيدنا عثمان رضي الله عنه . . بحجج باطلة . . ودعاوى زائفة . . يخلطون فيها جزءا من حق بكثير من باطل . . ثم اختار المسلمون سيدنا على رضى الله عنه . . بشورى وتوافق . . لم يذكر أن أحدا اعترض على خلافة سيدنا على . . ولكن . . بعض المسلمون أعلنوا ثورة . . ماذا كانوا يريدون . . وما هي مطالبهم . .
كانوا يطالبون بدم سيدنا عثمان . . والقصاص من القتلة . . القتلة الذين هم بالمئات والآلاف . . ومتفرقين في الأمصار . . وبهذا المطلب النبيل رفضوا الإذعان للدولة . . بل وأعلنوا الحرب عليها . .وسيدنا على الخليفة الشرعي يطلب منهم الإذعان للدولة أولا . . واستتباب الأمر فيها . . ثم القصاص من قتلة سيدنا عثمان . . والثوار أصروا . . فماذا كانت النتيجة . .
تحت شعار المطالبة بدم سيدنا عثمان . . الذي هو دم مسلم واحد مع مكانته العظيمة . . وهو الذي رفض أن يدافع عنه أهل المدينة . . وضحى بنفسه فداء لدماء المسلمين . . أزهقت مئات وربما ألاف الدماء من المسلمين في حروب طاحنة . . بل دماء طاهرة لسيدنا على وأولاده وكرام الصحابة أريقت تحت راية هذه الدعوة . . دعوة القصاص لسيدنا عثمان . .
ثم ماذا ؟
على أثر هذه الدعوة وتداعياتها . . تحولت دولة الإسلام من الخلافة الراشدة . . التي يختار ويبايع المسلمون فيها من يحكمهم . . إلى ملكية عضوض . . ووراثية استبدادية أموية . .يرث الحكم فيها الابن عن أبيه والحفيد عن الابن . . أى بلغة العصر . . إجهاض العملية الديموقراطية . .
نقلة زمنية سريعة قدرها 14 قرن . . ومكانية من جزيرة العرب إلى ميدان التحرير . . نلاحظ الشبه الكبير . . بل الشبه الخطير . .
عندما يطالب أحد الثوار في ميدان التحرير أن يهدئوا قليلا حتى نستكمل التحول الديموقراطى . . ولا يعطوا الفرصة أو يوفروا البيئة التي تساعد أعداء هذا التحول والمتشبثين بالسلطة الخائفين من يوم الحساب من إفشال أو تأخير هذا التحول . . يصرخ الثوار . . وأين حق الشهداء . . وأين حق النساء التي تكشفت . .
ثم ماذا ؟
مزيد من الدماء تزهق . . وعورات أخرى تستباح . . وبدلا من القصاص لشهيد . . تزداد أعداد الشهداء أضعاف مضاعفة . . ثم يطالبون بدماء الشهداء الجدد . . بالإضافة لمن سبقهم . . وهكذا فى متوالية عددية لا تنتهي . . ودائرة مفرغة لا تعرف بدايتها من نهايتها . . والنتيجة لا دما حفظ . . ولا قصاصا نفذ . . والدولة كلها تصبح في خطر عظيم . . والتحول الديموقراطى المنشود فى مهب الريح . . وكأن الدببة أصرت أن تفرض قانونها وإستراتيجيتها . . بل وغباءها وحماقتها . . عندما حملت صخرة عظيمة وهوت بها فوق وجه صاحبها لتهش ذبابة تقف على وجهه . . وتصرخ مثل أصحابنا . . ألا ترون الذبابة . . ألا ترون الذبابة . .
بقى أمران . .
الأمر الأول: من كان يزجى نار الفتنة أيام سيدنا على ؟
لا شك أنهم القتلة الحقيقيون الذين قتلوا سيدنا عثمان . .لا يريدون أن تستقر الدولة . . حتى لا ينقشع الغبار . . ويأتي يوم الحساب . . والقصاص العادل من المجرمين . . وهؤلاء تقاطعت مصالحهم مع الراغبين في القفز على السلطة في فترة الدولة فيها رخوة . . وآخرين من المسلمين المخلصين حسنى النية . . ولكنهم أساءوا الفهم . . وبعثروا سلم الأولويات . . وفقه المنافع والمفاسد . . وتوازنات المصالح العامة والخاصة . .
ومن يزجى نار الفتنة الآن؟
لا شك أيضا أنهم نفس الفئات . . وإن اختلفت الأسماء . . واختلف الزمان والمكان . . هم القتلة الحقيقيون الذين قتلوا الثوار والمصريين عامة أيا كانوا . . وتقاطعت أيضا مصالحهم فى إزجاء نار الفتنة مع فئة قليلة العدد وقليلة الأخلاق والوطنية . . يساندهم إعلام فاسد ومأجور . . كانت تتحدث نيابة عن الشعب . . ونصبوا أنفسهم مدعين بالحق الشعبى عن الشعب . .ومنوا أنفسهم بالإنقضاض على السلطة من فوق وليس بشرعية الشعب . . اغتصابا واستكبارا . . ولكن مع فرز الانتخابات . . خرجوا منها خاليي الوفاض . . فبان زيفهم . . وانكشفت سوءاتهم . . فراحوا ينفخون في النار . . حتى يغطى الدخان المشهد . . ويتيه الجميع في ظلام من فوقه ظلام . . ولا ننكر أيضا أنه من بين هؤلاء فئة من حسنى النية . . الذين يظنون أنهم مرابطون بالثغور . . بينما هم يطفئون النور . . ورحم الله من علم الناس قبل عشرات السنين . . وراح شهيدا ثمنا لكلماته . . أن الفهم قبل الإخلاص . . لأن عدم الفهم مع الإخلاص . . يجعل الشخص يخلص لأمر سيء . . وهذه مصيبة عظيمة . . . فيموت على أعتاب أبواب المصالح العامة . . يمنع أصحابها من الدخول وخدمة الناس . . وهو يظن أنه شهيد . . ويفسد بينما يريد أن يصلح . . ويبلطج وهو يظن أنه يثور . .(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا . الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) . .
الأمر الثاني : الذين رفعوا راية القصاص لدم عثمان بعد أن آلت إليهم السلطة . . ماذا صنعوا ؟ هل اقتصوا لدم عثمان؟ . . لا والله . . بل اقتصوا من الشعب . . وحولوا دولته الشورية إلى دولة ملكية . . وربما كان هذا عقابا مناسبا لهم لأنهم لم يوقفوا الظالمين عن ظلمهم . . ونحن إن لم نأخذ على يد هؤلاء العابثين بمستقبل بلد ودولة وأمة . . سنهلك جميعا . . حاشا لله وكلا . .
وأخيرا . .لا يخفى على القارئ في هذه المقابلة. . أنى لم أضع شرعية ولاية سيدنا على في مقابلة مع ولاية المجلس العسكري . . ولكن تقابلها شرعية الانتخابات واختيار الشعب . . في التحول السلمي الذي ارتضيناه . .
بوابة الأهرام الأليكترونية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق