الاثنين، 24 سبتمبر 2012

مسؤولون أميركيون يعترفون: "عيوننا اقتُلعت" في بنغازي .. ايلاف


فاجأ حجم وجود وكالة الاستخبارات الأميركية في بنغازي، الذي ظهر إلى العلن بعد الهجوم على القنصلية الأميركية، بعض القادة الليبيين. ويقول مسؤولون أميركيون إن إجلاء عناصر السي آي أي من البلاد خسارة استخباراتية كارثية.

كان الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي الذي أسفر عن مقتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين، ضربة موجعة لوكالة المخابرات المركزية "سي آي أي" في جهودها لجمع المعلومات في وقت يزداد انعدام الاستقرار في ليبيا.
وكان بين أكثر من 24 أميركيًا غادروا المدينة بعد الهجوم، نحو 12 من عناصر وكالة المخابرات المركزية والمتعهدين الامنيين الذين قاموا بدور بالغ الأهمية في رصد طائفة متنوعة من الميليشيات المسلحة داخل بنغازي وحولها، وجمع معلومات عنها.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول أميركي عمل في ليبيا قوله إن إجلاء هؤلاء "خسارة استخباراتية كارثية" لأن "عيوننا اقتُلعت" برحيلهم. ومن بين الأهداف التي كانت وكالة المخابرات المركزية ترصدها في بنغازي وشرق ليبيا جماعة أنصار الشريعة التي اتهمها البعض بتنفيذ الهجوم، وعناصر يُشتبه بانتمائهم الى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.
كما تشهد المنطقة الشرقية من ليبيا تيارات متقاطعة يحاول عناصر المخابرات مراقبتها عن كثب. وأثار مقتل السفير ستيفنز غضبًا شعبيًا على الميليشيات تبدى بنزول آلاف الليبيين الى شوارع بنغازي يوم الجمعة الماضي للمطالبة بتجريد هذه الميليشيات من السلاح. ويلاحظ مراقبون أن لهذه الميليشيات اتجاهات مختلفة بينها المعتدل وبينها السلفي فضلاً عن فلول نظام العقيد معمر القذافي.
وكتب المحلل السياسي في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي فريدريك ويري الذي زار ليبيا مؤخرًا في دراسة نشرها بعد الزيارة أن الاتجاه السلفي في المنطقة يشهد حراكاً مهماً يحتدم فيه السجال بين تيار مستعد للانخراط في العملية السياسية وتيار اكثر تشددًا يعادي الديمقراطية.
وكان عناصر الاستخبارات الاميركيون يساعدون متعهدي وزارة الخارجية الاميركية الأمنيين والمسؤولين الليبيين ايضًا في البحث عن صواريخ مضادة للطائرات تُطلق من الكتف اختفت من ترسانة القوات الموالية للقذافي وفي الجهود الرامية الى تأمين اسلحة ليبيا الكيميائية وتدريب كوادر الاستخبارات الليبية الجديدة ايضًا، كما افادت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مسؤولين اميركيين.
واعترف مسؤولون اميركيون كبار بالانتكاسة التي تعرضت لها هذه الأنشطة الاستخباراتية ولكنهم أكدوا أن العمل الاستخباراتي مستمر باستخدام مخبرين على الأرض، ومنظومات تعترض الاتصالات الالكترونية مثل مكالمات الهواتف الخلوية، والأقمار الاصطناعية التجسسية.

وامتنع متحدثون باسم وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الاميركية والبيت الأبيض عن التعليق يوم الأحد على هذه القضايا. وكانت وكالة المخابرات المركزية الاميركية بدأت في غضون اشهر من اندلاع الثورة الليبية في شباط (فبراير) 2011 بناء وجود قوي لكنه سري في بنغازي بوصفها مهد الانتفاضة ضد نظام القذافي.

ورغم تعاون الوكالة مع الاستخبارات الليبية الجديدة، فإن حجم وجود السي آي أي في بنغازي فاجأ بعض القادة الليبيين على ما يبدو. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن نائب رئيس الوزراء الليبي مصطفى ابو شاقور أنه لم يعلم ببعض العمليات الاميركية الحساسة في بنغازي إلا بعد الهجوم على القنصلية الاميركية بعد أن فاجأه العدد الكبير من الاميركيين الذين توجهوا الى المطار لاجلائهم من بنغازي.

وقال ابو شاقور إنه "لم تكن لدينا مشكلة مع تبادل المعلومات أو جمعها ولكن سيادتنا ايضا ذات اهمية بالغة". واثار الهجوم على القنصلية تساؤلات عن كفاية الاجراءات الأمنية لحماية المجمعين الاميركيين في بنغازي، وهما البعثة الدبلوماسية حيث قُتل ستيفنز ودبلوماسي اميركي آخر من جراء استنشاق الدخان بعد الهجوم الأول، وملحق آخر تابع لها على بعد 800 متر يضم اربعة ابنية داخل مجمع محاط بسور واطئ.

ومن هذه الأبنية كان عناصر وكالة المخابرات المركزية ينفذون مهماتهم السرية. وقالت صحيفة نيويورك تايمز إنها وافقت على الامتناع عن تحديد اماكن ونشر تفاصيل هذه العمليات بطلب من مسؤولين في ادارة اوباما قالوا إن كشف مثل هذه المعلومات يمكن أن يهدد نشاطات حكومية حساسة في المستقبل ويعرض للخطر اميركيين يعملون في بيئة خطيرة.
وكان المجمعان في بنغازي بمثابة مقرات سكن موقتة للاميركيين في مدينة تعج بالمسلحين، ولم تكن هناك نية قط في تحويلهما الى مكاتب دبلوماسية دائمة محمية باجراءات أمنية وافية.
ولم يكن أي من المجمعين محروساً حراسة مشددة ولم يكن الغرض من الفيللا المحلقة أن تكون "بيتًا آمنًا"، كما افادت تقارير في البداية. وقُتل اثنان من حراس البعثة خارج البوابة الأمامية للفيللا. واصابت قذيفة هاون سطح المبنى الذي احتمى به الاميركيون.
واعلنت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون الاسبوع الماضي تشكيل فريق يقوده الدبلوماسي المخضرم ووكيل وزارة الخارجية السابق توماس بيكرنغ للتحقيق في ملابسات الهجوم. وارسل مكتب التحقيقات الفيدرالي محققين الى بنغازي، ولكن عملهم اصطدم بالوضع الأمني الهش في المدينة وبحقيقة وصولهم بعد أكثر من يوم على الهجوم، كما افاد مسؤولون اميركيون كبار.
وقال المسؤولون الاميركيون إن ما يزيد التحقيق تعقيدًا أن العديد من الاميركيين الذي جرى اجلاؤهم من بنغازي موزعون الآن في انحاء اوروبا والولايات المتحدة. ولفت احد المسؤولين الى أن المحققين لا يعرفون إن كانت هناك أدلة جنائية كثيرة يمكن جمعها من مكان الهجوم.
ويركز المحققون والمسؤولون الاستخباراتيون الآن على احتمال أن يكون المهاجمون من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي أو كانوا على اتصال بالتنظيم خلال الساعات الأربع التي مرت بين الهجوم الأول على البعثة والهجوم الثاني على المبنى الآخر التابع لها.
واشار عضو مجلس النواب عن الحزب الجمهوري ورئيس لجنة الاستخبارات في المجلس مايك روجزر في حديث لشبكة سي ان ان الى أن الاحتمال كبير بأن البعثة الاميركية كانت مستهدفة من تنظيم القاعدة أو جماعة تنتمي اليه لالحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار والفوضى والخسائر في الأرواح.
وأوضح دبلوماسيون اجانب أن من المتعارف عليه في ظروف أمنية كتلك السائدة الآن في ليبيا أن يكون هناك "بيت آمن" قرب البعثة الدبلوماسية الرئيسية يمكن الدفاع عنه واجلاء من فيه بسهولة.
وقال الكولونيل ولفغانغ بوشتاي الذي كان حتى الآونة الأخيرة الملحق العسكري النمساوي في ليبيا ويزورها كل شهر إن مثل هذا البيت الآمن عادة ما يكون سريًا، ولكن هذا كان اقرب الى المستحيل في ظروف بنغازي نظرًا للعدد القليل من الأجانب الذين يمكن تعقبهم بسهولة في المدينة.
مسؤولون أميركيون يعترفون: "عيوننا اقتُلعت" في بنغازي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق