الجمعة، 1 يونيو 2012

أزمة في المنهج- محمد عبد المجيد - بوابة الأهرام


لا توجد ثورة في العالم تبدأ نهضتها بخيارات الأقل سوءً لقيادة الأمور في مستقبلها ! ، ولعلها أقرب إلى الهزل منها إلى العبث ، ومع ظهور نتائج الانتخابات وبقاء مرشحين أحدهما يمثل التيار الديني الصريح ، متمثلا في الدكتور محمد مرسي ممثل حزب الحرية والعدالة ، المعبر عن الاخوان المسلمين ؛ الجماعة المحظورة قبل نهاية عهد الرئيس السابق والمحظوظة في المرحلة الانتقالية والتي بدت وكأنها على أهبة الاستعداد لتولي المسئوليات التشريعية والتنفيذية في البلاد عن جدارة واستحقاق ، وبين الفريق أحمد شفيق الذي يمثل وجها آخر من وجوه النظام السابق والذي تولى رئاسة وزراء مصر قبل تنحى مبارك ، وبدا الرجل أنه يستقطب البسطاء من الشعب الذين أرهقتهم المرحلة الانتقالية ورغبتهم في استقرار الأوضاع وعودة الشارع إلى ما كان عليه قبل 25 يناير .
السؤال الآن :هل يجب علينا أن نحترم خيارات الشعب والطريق الديموقراطي في بناء أمتنا أم نبكي مثل الأطفال حين يخسرون وننزل ميدان التحرير لنعتمد طريق الفوضى والحرائق وإشعال الوطن؟
أم نعتمد سياسة الدواء المرّ الذي سنتجرعه مضطرين ، وأن نذهب إلى صناديق الاقتراع ونحن نفكر أيهم أفضل في السوء فهذا سيقتلنى وهذا سيدخلنى النار إن لم أسمعه وأطع !! .
الحقيقة أن نتيجة الانتخابات كانت إثباتا جديدا للتضليل الاعلامي وكشفت عن طوائف كثيرة في المجتمع تم تهميشها وعدم عمل اعتبار لوجودها مع أن مواطنتهم في الدولة كاملة وبهم يسقط بعض من ترشّح ويصعد آخرون وهؤلاء ليسوا نشطاء ولا أرباب فكر ولا أتباع أفكار دينية ولا يسارية ولا علمانية وإنما هم مواطنون مصريون لا يفكرون سوى في حياة افضل خالية من العنف والفقر والمرض.
من حق كل مواطن أن ينتخب ما شاء دون أن نتهمه بأنه تقاضى اموالا أو أكياسا مملوءة بالسكر والزيت ، ومن حق كل مواطن أن يكون حراّ في انتخاب من يشاء دون أن نتهمه بأنه عميل أو تصويته طائفي أو له مصلحة في إعادة انتاج مبارك من جديد فعصر الوصاية انتهى وليس من حق أى واحد أن يصنف من صوّت لهذا أو ذاك.
هذه هي القواعد ولا مناص من قبولها وإلا فلنعتمد سياسة أخري غير سياسة المناخ الحرّ المختلف عن العهد الذي قبله والحقيقة أن من رفض نتائج الانتخابات هو الذي أعاد انتاج النظام السابق واعتمد سياسة مبارك ، إما أن أنجح أنا أو الفوضى !!.
يجب أن الكلام واضحا وصريحا لا لبس فيه ولا غموض ولا نتنكر لمعتقداتنا وأفكارنا وليس من المعقول أن نتغنى بحقنا في التظاهر والاعتصام صباحا وفي المساء نصرخ لحرمان الناس من حقوقهم الدستورية في الترشح طالما لم يتم إدانتهم ثم نصف من انتخبوهم بأنهم عبيدا ويعشقون جلاديهم !!
لمن كان له قلب فليعي ذلك جيدا لأننا نبدو أحيانا أننا لانرى ولا نسمع !!
رغم أن كاتب هذه السطور لم ينتخب أيا من المرشحين ومن تمناه رئيسا لم يمر من جولة الانتخابات الأولى إلا أننى لا أجد حرجا أن أقول إن قبول النتائج هو الخيار الحتمي لنا ،وهو الدواء الذي سيقضى على أعراض مرضية ظاهرة ولابد من تجاوزها ويكون الخيار لنا جميعا أن من ينتصر لأهداف الثورة منهما هو من يجب أن نصوّت له دون أن نبطل أصواتنا ، فصوتنا هو الإجراء الوحيد الفعّال لتجاوز مرحلة صعبة في تاريخ أمة لا تموت.
يجب أن تظل قناعاتنا بقيمة المواطنة وقيمة صوتنا الذي سيجبر كل المرشحين على وضعنا أولية أولى في أي برنامج انتخابي ، وأن ندرك أن الظرف التاريخي لا يسمح بإعادة انتاج ما سبقه لأنه لا يمكن أن تتواجد في التاريخ مرتين كما النهر بعد ثورة بلغت من النضج والوعي بحيث يصعب تكرار الحوادث التاريخية ذاتها ، واللحظة نفسها وإلا فإننا سنهين أنفسنا أكثر مما ينبغي !!
الخاسرون يتحدثون ! ، بالله عليكم اصمتوا أو قولوا خيرا فهذا يهين ما يقرب ست مليون شخص صوتوا لشفيق بأنهم فلول النظام السابق وأنه لا يعتقد أن أي مواطن شريف سيقع في حيرة في جولة الإعادة وآخر يهين كل من صوتوا في الانتخابات عدا من صوّت لمرشحي الثورة بالقول أنهم لا يعبرون عن مصر وحالة التغيير وكأن من صوّت للمعبرين عن حالة الثورة هم المصريون فقط وما عداهم غير ذلك !!
وآخرون شيطنوا تيار الإخوان المسلمين ، ومن تعاطف معهم وكأنهم ليسوا من أبناء الوطن وليس من حقهم أن يحلموا بمشروع نهضة ويسعون لتطبيقه .
بالله عليكم ، اصمتوا فصدمتكم بالخسارة وعدم تقبلكم إياها تكشف مدى زيفكم وامتنانا الآن لخسارتكم فالوطن قد ربح بخروجكم من المشهد .
إن الخيارات المتاحة ليست (في رأي شخصي) هي أفضل الحلول لكن خيار الصندوق هو أصدق من كل أصواتنا واحترامه فريضة وطنية وهو المنهج والطريق الذي سيقودنا إلى مستقبل أفضل، وإن استكمال أي ثورة ينبغي أن نبدأ فيها بأنفسنا وإن تغيير أي نظام لا يبدأ من قمة الهرم بل يبدأ من الداخل ، وأن العقد النفسية المرتبطة بذواتنا هي ما تفسد أي مشروع نهضوي.
من لا يعترف بأصوات الملايين ويتهمهم ببيع أصواتهم كيف كنا سننخدع ونجعله رئيسا إذا كان ذلك هو رأيه في بعض أبناء شعبه ؟!
من لا يفرد مساحة الاحترام الكافية لخصمه ويتهمه دون دليل بأن يده ملوثة بالدم دون دليل ، كيف كنا سنأتنمنه على قيادة شعبنا وهو يوزع الإتهامات هكذا !

إن أزمتنا الحالية ليست في أطماع الإخوان المسلمين في امتلاك كل شييء ولا في خوفنا من أن يعيد أحمد شفيق إنتاج النظام السابق ودولة رجال الأعمال مرة أخرى(وهي مخاوف مشروعة ) لكن أزمتنا الحقيقة أننا نحتاج إلى منهج فكري نعتمد فيه سياسة قبول الآخر واحترامه واحترام الأسلوب الديموقراطي طالما ارتضيناه كمبدأ لعبور مرحلتنا الانتقالية ولا نقبل أن يأتى لاعب يعترض على احتساب الحكم لهدف أن يقول : لن ألعب !!.
في انتخابات الاعادة سيقول الشعب كلمته ومن يمتنع ليس من حقه أن يعترض فقبول قواعد اللعبة تقتضي ممارستها للنهاية وبشروطها ، وإذا نجح هذا أو ذاك فعلينا أن نقبل وندرك أن هناك جولات قادمة نستطيع أن نصحح فيها الأخطاء فقديما قالوا: من يأبى قبول النصيحة اليوم ولا تكلفه شيئا فسيضطر غدا إلى شراء الأسف بأغلى سعر !!.

أزمة في المنهج - بوابة الأهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق