- مجدي سلامة
- منذ 2 ساعة 48 دقيقة
فبعد الثورة حقق مصريون من بني جلدتنا ثروات خيالية بلغت حسب تقديرات الخبراء 15 مليار جنيه.
هذا المبلغ الخيالي ابتلعه انتهازيون من 9 فئات.. بلطجية وقتلة ومهربون وغشاشون ومغامرون وإعلاميون ورجال أعمال وتجار سلاح ومخدرات، وهؤلاء قفزوا من قاع الفقر إلي قمة الثراء، لدرجة أن أحدهم عمره 18 عاماً دفع لخطيبته مهراً بلغ 500 ألف جنيه، نعم نصف مليون جنيه، رغم أنه عاطل ولا يعمل ولم يحصل علي الاعدادية ولكنه فقط احترف سرقة السيارات خلال الشهور الأربعة عشر الأخيرة.
وآخر لم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره ومهنته «بلطجي» أما ثروته فبلغت في شهور قليلة 3 ملايين جنيه.
إنها قصة أثرياء الحرب المعروفة تتكرر في مصر حالياً.. ولكن تحت اسم «أثرياء الثورة».
فرغم أن الحرب تعني الخراب والموت، إلا أنه تحت ركام الحروب ووسط الدمار والدم والدموع، تنمو طبقة من الأثرياء، يحققون ثروات هائلة من «مص دماء» الناجين من منجل الموت.
ظهور هذه الطبقة بدأ برجال كل ما كانوا يملكونه هو مخازن كبيرة، يكدسون فيها أكبر كميات من السلع والأغذية لبيعها في زمن الحروب، بأسعار مضاعفة، فيحققون ثراء فاحشاً.
ومع الأيام صار للحرب قائمة طويلة من الأثرياء، علي رأسها تجار السلاح وفي آخرها «الحانوتية».
نفس الأمر - تقريباً - يحدث مع الثورات.. فرغم أن الثورة تعني النضال والتضحية والذوبان عشقاً في الوطن، إلا أنه وسط هذه الأهداف السامية تظهر طبقة طفيلية لا يهمها وطن ولا مواطنون وإنما همها الأكبر هو استغلال الفترة الرخوة التي تعقب كل ثورة لتحقيق ثروات ضخمة.
وكما أن للحروب قائمة طويلة من الأثرياء كذلك الثورات، فقائمة أثرياء الثورة تضم بلطجية ومغامرين ورجال أعمال وتجار سلاح ومخدرات ومحتكري سلع، وغشاشين وقتلة ومهربين ونجوم مجتمع.
وحتي تتخيل حجم الثراء الذي حققه هؤلاء.. إليك أربع حكايات حدثت في مصر مؤخراً.
< الحكاية الأولي لبلطجي اسمه «حمادة عقل» من منطقة مصر القديمة.. «حمادة» 32 عاماً تم القبض عليه قبل أيام بتهمة البلطجة وترويع المواطنين وبعد القبض عليه توالت المفاجآت، كشفت تحريات مباحث الأموال العامة أن ثروة «حمادة» تعدت ثلاثة ملايين جنيه، ويمتلك 18 شقة بدار السلام والهرم ومصر الجديدة، وشهادات استثمار بأحد البنوك قيمتها 250 ألف جنيه، بالإضافة إلي سيارة جيب شيروكي وأخري BMW.. كل هذا يمتلكه شاب بلا عمل عمره 32 عاماً.
< الحكاية الثانية لشاب اشتهر بين أقرانه باسم «كوتا» عمره 18 عاماً ترك المدرسة وظل بلا عمل حتي ما بعد الثورة، وانضم لإحدي عصابات سرقة السيارات في القليوبية وخلال شهور قليلة حقق ثروة لا يمكن تخيلها، ودليل هذه الثروة الخيالية أنه تقدم لخطبة إحدي الفتيات ودفع لها مهراً قدره 500 ألف جنيه.
< الحكاية الثالثة لعائلة صعيدية نظرت حولها بعد الثورة فوجدت بالقرب منها مئات المحاجر وعلي الفور فرضت إتاوات علي كل صاحب محجر، وبلغ ما تجمعه شهرياً من إتاوات - حسب مصدر أمني - نحو ثلاثة ملايين جنيه شهرياً.. وقال المصدر: إن جانباً من «فلوس» الإتاوة يتم تسليمها شهرياً لكبار رجال الشرطة بالمحافظة الصعيدية مقابل إطلاق يد أفراد هذه العائلة لتفعل في أصحاب المحاجر ما تشاء.
< الحكاية الرابعة لبلطجية شهيرة كان أعضاء الحزب الوطني يستعينون بها في كل الانتخابات لضرب أنصار منافسيهم وترويعهم مقابل بضعة آلاف من الجنيهات في كل انتخابات، وبفضل هذه الأموال كانت البلطجية تعيش حياة متوسطة في إحدي المناطق العشوائية، وبعد شهور قليلة من الثورة تركت «البلطجية» شقتها المتواضعة في المنطقة العشوائية وانتقلت لتقيم في عمارة من 8 طوابق اشترتها مؤخراً، علي أطراف منطقة راقية بمحافظة الجيزة.
والحكايات الأربع يربطها رابط واضح، وهو أنها جميعها لبلطجية حققوا في فترات قصيرة - بعد الثورة - ثروات خيالية.
وحسب تقديرات الخبير الاقتصادي د. حمدي عبدالعظيم عميد أكاديمية السادات السابق، فإن المستفيدين من الانفلات الأمني حققوا بعد الثورة، ثروات تتجاوز 15 مليار جنيه.
وطبقاً للدكتور «عبدالعظيم» فإن تجار السلاح حققوا أرباحاً من الاتجار في السلاح خلال الأربعة عشر شهراً الأخيرة بلغت حوالي 3 مليارات جنيه، أما تجار المخدرات فوصلت أرباحهم خلال نفس الفترة إلي حوالي 5 مليارات جنيه، وهو نفس ما حققه المتاجرون بالغاز والبنزين في السوق السوداء ومهربو السلع الغذائية.
أما البلطجية الذين احترفوا عمليات السطو المسلح واختطاف الأطفال والنساء لطلب فدية، أو الذين يتم تأجيرهم لترويع بعض الناس مقابل مبلغ مالي، فيشير «عبدالعظيم» إلي أنهم حققوا ثروات تزيد علي 9 ملايين جنيه، في حين تمكن من تخصصوا في سرقة السيارات من تحقيق ثروات تبلغ حوالي 86 مليون جنيه، وأكد أنه خلال الشهور الأربعة عشر الأخيرة تمت سرقة 43 ألف سيارة بعضها تم تقطيعه وبيعه كقطع غيار وبعضها تم تهريبه إلي خارج مصر وبعضها تمت إعادته لأصحابه بعد دفع مبالغ تراوحت بين 10 آلاف و50 ألف جنيه حسب نوع السيارة المسروقة.
كما شدد علي أن الانفلات الأمني هو المسئول الأول عن تحقيق كل هذه الثروات الحرام.
لم تتوقف تلك الثروات علي هذا الحد، فهناك 160 مليون دولار «حوالي 970 مليون جنيه» دخلت مصر في عام 2011 - حسب بيانات البنك المركزي - وهذه المبالغ حصلت عليها جمعيات أهلية في مصر من جهات عربية وغربية.
ووصل الأمر إلي أن دولاً أوروبية دفعت مبالغ نقدية لعدد ممن خاضوا الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وروي لي شاهد عيان أنه حضر - بالصدفة - لقاء بين شاب خاض الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وبين ممثلين عن سفارة دولة أوروبية بالقاهرة، وأقسم الشاهد علي أن ممثلي السفارة دفعوا 30 ألف جنيه - عداً ونقداً - للشاب لمساندته في الدعاية الانتخابية.
وكان للإعلام نصيب من هذا المال الحرام الذي تدفق لمصر بعد الثورة - وحسب حمدي عبدالعظيم - فإن حوالي مليار دولار دخلت مصر من دول مختلفة بعد الثورة، وكانت وجهتها لقنوات فضائية وصحف بهدف السيطرة علي تلك القنوات والصحف وتوجيهها توجيهاً معيناً لخدمة أهداف دول غربية وشرق أوسطية.
وكشف الدكتور أحمد صقر عاشور - خبير الشفافية بالأمم المتحدة - أن المتورطين في جرائم الفساد والتربح وتخريب سياسات الدولة لتحقيق مصالحهم الشخصية يقدر عددهم بعشرات الآلاف.. وقال: للأسف الشديد اكتفي المسئولون عن إدارة البلاد بسجن ما بين 40 و50 من رموز النظام السابق، رغم أن المتورطين في قضايا فساد والمتربحين من النظام السابق يقدر عددهم بعشرات الآلاف من الفاسدين.. وأضاف: علي رأس هؤلاء الفاسدين عدد كبير من نواب مجلس الشعب خلال العشرين عاماً الماضية وقيادات بالحزب الوطني وأعضاء بالمجالس المحلية ومسئولين كبار بوزارات البترول والإسكان والشرطة والموانئ والجمارك.
وواصل الدكتور أحمد عاشور: ورغم سقوط مبارك وسجن عدد من رموز نظامه إلا أن الفساد الذي زرعه عصر مبارك مازال متغلغلاً في كل قطاعات ومؤسسات وأجهزة الدولة وأوصال المجتمع كله، ومع ضعف الأجهزة الأمنية بعد الثورة، ومع ضعف تنفيذ العدالة والقانون صارت مصر خلال الشهور الأربعة عشر الأخيرة مرتعاً لكل قوي الفساد والطامحين في تحقيق ثراء سريع بشكل غير قانوني، ولهذا انتشرت البلطجة والسرقات والترويع والتلاعب في المواصفات الصحية لعدد كبير من الأغذية.
الدكتور عاشور العائد قبل أيام من تونس بعد مشاركته بتكليف من الأمم المتحدة في مساعدة التوانسة في اتخاذ خطوات جادة لمواجهة الفساد والرشوة أوضح أن تونس لم تشهد ما شهدته مصر من عمليات إفساد وإثراء حرام بعد الثورة وقال: السبب أن النظام الأمني في تونس لم يسقط أو ينهار كما هو الحال في مصر، والسبب الثاني أن تونس سارعت بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الفساد والمفسدين، واستمرت اللجنة في تلقي البلاغات ضد المفسدين علي مدي 11 شهرا كاملا وخلال تلك الفترة تلقت 11 ألف بلاغ من المواطنين وتم التحقيق في هذه البلاغات جميعا بدقة متناهية وتم ثبوت وقائع الفساد علي 460 فاسدا تونسيا وهؤلاء تم إحالتهم للمحاكمة.
وأضاف: كان مثل هذا الإجراء ضروريا في مصر لتعقب جميع المفسدين ومحاسبتهم ولكن للأسف تركوا الفساد والإفساد دون مواجهة فلم تشكل لجنة تقصي حقائق الفساد ولم تنشأ هيئة لتعقب المفسدين ولا أصلح الجهاز الإداري للدولة ولا اتخذت إجراءات لتطهير أجهزة حساسة في الدولة مثل جهاز الشرطة والمخابرات العامة والقضاء ولهذا شاع الفساد وعمليات الثراء الحرام بعد الثورة خاصة بعد انهيار الشرطة.
وواصل الدكتور «عاشور» مصر الآن مفتوحة لكل الراغبين في الثراء الحرام سواء تجار السلاح أو المخدرات وكل الممنوعات والمهربين والسفاحين والقتلة فلا رقابة في مصر ولا مساءلة لأحد.
ورغم أن العلوم الأمنية تقر وتعترف بأن كل ثورة يعقبها انفلات بدرجة ما، إلا أن كل الشواهد تؤكد أن الانفلات والثراء الحرام الذي حدث في مصر بعد ثورة يناير فاق كل تصور، وكما يقول الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات السياسية والاستراتيجية فإن أثرياء ما بعد ثورة يناير كانوا أكثر توحشا بمئات المرات من أثرياء ما بعد ثورة 23 يوليو 1952..
وأرجع الدكتور «سيد أحمد» هذا التوحش إلي نظام مبارك وقال «زرع مبارك خلال سنوات عهده فسادا وإفسادا أكبر بكثير مما كان في عهد المملكة والاحتلال الإنجليزي وبقدر قوة فساد نظام مبارك جاء الانفلات والثراء الحرام بعد الثورة متوحشا ومرعبا ومروعا.
وهكذا انتفضت مصر في يناير 2011 وسقط مئات الشهداء من خيرة شعب مصر، أما نحن الأحياء فتركنا البلاد بعد الثورة للقتلة والبلطجية والغشاشين والمهربين وتجار الممنوعات لكي يحققوا ثروات طائلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق