الأحد، 18 مارس 2012

هل‭ ‬مصر‭ ‬محتلة ؟ مهدى مصطفي ..بوابة الأهرام العربى- مقالات -



مهدى مصطفى   - عصر‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬موصوف‭ ‬باستراحة‭ ‬تحرير‭ ‬من‭ ‬الاستعمار،‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الناصرى‭ ‬كان‭ ‬الإنجليز‭ ‬والفرنسيون‭ ‬يتقاسمون‭ ‬البقعة‭ ‬العربية‭ ‬من جبال ‬تطوان‭ ‬المغربية‭ ‬إلى‭ ‬نخيل‭ ‬البصرة‭ ‬العراقية،‭ ‬وبينهم‭ ‬تقف‭ ‬بضع‭ ‬مستعمرات‭ ‬برتغالية‭ ‬وإيطالية‭ ‬وإسبانية،‭ ‬وبموت‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬تلاشى‭ ‬العصر والرجال‭ ‬والفكر،‭ ‬صحونا‭ ‬من‭ ‬الحلم، بعضهم‭ ‬وصفه‭ ‬بالكابوس‭ ‬الديكتاتورى،‭ ‬مرة‭ ‬لأن‭ ‬ناصر‭ ‬بكباشى‭ ‬أحمر‭ ‬فى‭ ‬شعارات‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬ومرة‭ ‬لأنه‭ ‬كولونيل‭ ‬أمريكى‭ ‬حسب‭ ‬وصف‭ ‬آل‭ ‬جوزيف‭ ‬ستالين‭ ‬إمبراطور‭ ‬السوفيت‭ ‬المنتصر‭ ‬فى الحرب‭ ‬العالمية‭.‬ 

كان‭ ‬جمال‭ ‬حمدان‭ ‬وحده‭ ‬يقول‭ ‬إن مصر‭ ‬ناصرية‭ ‬قبل‭ ‬ميلاد‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬بآلاف‭ ‬السنين،‭ ‬ناصرية‭ ‬جمال‭ ‬حمدان‭ ‬تعنى‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والتحرر‭ ‬الوطنى،‭ ‬ومنع‭ ‬أى‭ ‬قوة‭ ‬من‭ ‬احتكار‭ ‬جريان‭ ‬نهر‭ ‬النيل،‭ ‬فمصر‭ ‬شارع‭ ‬طويل‭ ‬ينتهى‭ ‬فى‭ ‬القاهرة،‭ ‬وميدان‭ ‬واسع‭ ‬يسمونه‭ ‬الدلتا،‭ ‬وفى‭ ‬الشارع‭ ‬الطويل‭ ‬والدلتا‭ ‬الواسعة‭ ‬تتماسك‭ ‬مصر‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬النيل،‭ ‬وهذا‭ ‬التماسك‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يخترق‭ ‬جدرانه‭ ‬الصلبة،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬حاول‭ ‬سقط‭ ‬فى‭ ‬هوة‭ ‬التاريخ‭.‬ 

الغزاة‭ ‬يغريهم‭ ‬فراغ‭ ‬الصحراء‭ .‬يزحفون‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬سهولة‭ ‬الطريق‭ ‬تزين‭ ‬لهم‭ ‬رايات‭ ‬النصر،‭ ‬يتعجلون‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬ملكيتهم‭ ‬للبلاد‭ ‬والعباد،‭ ‬يتصرفون‭ ‬كأصحاب‭ ‬مكان،‭ ‬أحيانا‭ ‬يحيرهم‭ ‬صمت‭ ‬المصريين،‭ ‬يقررون‭ ‬التغلغل‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬فجأة‭ ‬تخرج‭ ‬المقاومة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬فج‭ ‬عميق،‭ ‬تجبرهم‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬الهزيمة،‭ ‬يحيرهم‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬المصهور‭ ‬تحت‭ ‬لفح‭ ‬الشمس‭ ‬ورياح‭ ‬الخماسين‭.‬ فى‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬بلادهم‭ ‬مجللين‭ ‬بالهزيمة،‭ ‬يفكرون‭ ‬فى‭ ‬العودة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بأسلحة،‭ ‬وخطط‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬للفتك‭ ‬بشعب‭ ‬يبدو‭ ‬عصيا،‭ ‬يعاودون‭ ‬الكرة‭ ‬بعد‭ ‬الكرة،‭ ‬لكنهم‭ ‬يواجهون‭ ‬نفس‭ ‬المصير،‭ ‬وآخر‭ ‬ضربة‭ ‬تلقوها‭ ‬كانت‭ ‬خروجهم‭ ‬على‭ ‬أيدى‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬عام‭،‬1954‭ ‬ ولم‭ ‬يخرجوا‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬خرجوا‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬وغربت‭ ‬شمس‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬من‭ ‬السويس‭ ‬حتى‭ ‬الهند‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬ولم‭ ‬ينسوا‭ ‬ذلك‭ ‬قط،‭ ‬فعادوا‭ ‬بطريقة‭ ‬مبتكرة،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬أجدادهم‭ ‬كانوا‭ ‬يأتون‭ ‬من‭ ‬الجزر‭ ‬البريطانية‭ ‬وأرض‭ ‬الغال‭ ‬الفرنسية‭ ‬وأراضى‭ ‬الآريين‭ ‬الألمانية،‭ ‬لكنهم‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬غيروا‭ ‬الجغرافيا‭ ‬وجاءوا‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسى‭ ‬من‭ ‬قارة‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬السابقة،‭ ‬قارة‭ ‬اليانكى‭ ‬الأمريكى‭.‬

رجال‭ ‬اليانكى الأمريكى‭ ‬مرفهون‭ ‬فى‭ ‬القتل،‭ ‬لم‭ ‬يخوضوا‭ ‬حربا‭ ‬متكافئة‭ ‬مع‭ ‬عدو،‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬كانوا‭ ‬مسلحين‭ ‬بأسلحة‭ ‬بدائية‭ ‬أقواس‭ ‬ورماح‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬رصاص‭ ‬مصبوب،‭ ‬والهندى‭ ‬الأحمر‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬الجحيم‭ ‬فى‭ ‬فوهة‭ ‬البندقية‭ ‬والمسدس‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم يكونا‬ محشوين‭ ‬بالرصاص‭.‬ فى‭ ‬الحربين‭ ‬الأوروبيتين،‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬خاض‭ ‬الأمريكيون‭ ‬الحرب‭ ‬بعد‭ ‬تعب‭ ‬المتقاتلين،‭ ‬حصدوا‭ ‬النصر‭ ‬مجانا،‭ ‬لم‭ ‬ينتصروا‭ ‬وجها‭ ‬لوجه،‭ ‬ففى‭ ‬اليابان‭ ‬جربوا‭ ‬السلاح‭ ‬الذرى‭ ‬المسروق‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية،‭ ‬وأعلنوا‭ ‬النصر‭ ‬المظفر،‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬وحيدة‭ ‬هى‭ ‬فيتنام‭ ‬تلقوا‭ ‬هزيمة‭ ‬مدوية،‭ ‬هزمتهم‭ ‬فلاحة‭ ‬كانت‭ ‬تجمع‭ ‬الأرز،‭ ‬سألها‭ ‬برتراند‭ ‬راسل،‭ ‬فيلسوف‭ ‬السخرية‭ ‬حين‭ ‬رآها‭ ‬تشمر‭ ‬عن‭ ‬ساعديها‭ ‬وساقيها‭ ‬وتخوض‭ ‬فى‭ ‬حقل‭ ‬الأرز‭ ‬بمياهه‭ ‬العميقة‭ ‬وطائرات‭ ‬أمريكا‭ ‬تحوم‭ ‬فوق‭ ‬رأسها‭ :‬ماذا‭ ‬تفعلين‭ ‬تحت‭ ‬هذا‭ ‬الرعب‭ ‬السماوى؟‭ ‬ردت‭ ‬بثقة‭ ‬المنتصر‭: ‬ أزرع‭ ‬الأرز‭ ‬لأقاوم‭ ‬العدو‭.‬ خرج‭ ‬الأمريكان‭ ‬انتصر‭ ‬هوشى‭ ‬منّه،‭ ‬القائد‭ ‬الفيتنامى‭ ‬التاريخى،‭ ‬السينما‭ ‬الأمريكية‭ ‬سجلت‭ ‬عبر‭ ‬أفلامها‭ ‬محنة‭ ‬الجنود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬وهم‭ ‬يقعون‭ ‬أسرى‭ ‬وجرحى‭ ‬وقتلى‭ ‬فى مستنقعات‭ ‬فيتنام،‭ ‬وبعد‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬قررت‭ ‬عصابات‭ ‬واشنطن‭ ‬أن‭ ‬تخوض‭ ‬الحرب‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة،‭ ‬فى تحالف‭ ‬كما‭ ‬جرى‭ ‬فى‭ ‬حروب‭ ‬الخليج‭ ‬ضد‭ ‬العراق‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬احتلاله،‭ ‬أو‭ ‬صناعة‭ ‬انقلابات‭ ‬عسكرية،‭ ‬شيلى‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أو‭ ‬ثورات‭ ‬ملونة‭ ‬كما‭ ‬جرى‭ ‬فى‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬ضد‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتى،‭ ‬وأخيرا‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬بمساعدة خلاياها‭ ‬النائمة‭.‬ خميرة‭ ‬خلاياها‭ ‬النائمة‭ ‬عتيقة،‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬التكاثر‭ ‬كالفطر‭ ‬السام،‭ ‬نامت‭ ‬طويلا‭ ‬حتى‭ ‬اخترقت‭ ‬أعمق‭ ‬أعماق‭ ‬الناس‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬القمة‭ ‬إلى‭ ‬القاع، حين‭ ‬قررت‭ ‬الغزو‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬سهلا،‭ ‬إشعال‭ ‬غضب شعبي ‬بتهم‭ ‬كالفساد‭ ‬ونقص‭ ‬الحرية،‭ ‬وعدم‭ ‬العدالة‭.. ‬وهى‭ ‬تهم‭ ‬حقيقية‭ ‬يستحق‭ ‬مرتكبوها‭ ‬العقاب،‭ ‬وساعتها‭ ‬يكون‭ ‬الغزو‭ ‬الناعم‭ ‬مبررا‭ ‬لشعب‭ ‬كان‭ ‬عصيا‭ ‬عنيدا،‭ ‬وإذا‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬كلمة‭ ‬السر‭ ‬فيه‭ ‬حازوا‭ ‬مفتاح‭ ‬العالم‭.. ‬فهل‭ ‬أصبح‭ ‬مفتاح‭ ‬مصر‭ ‬بأيديهم؟‭ ‬وهل‭ ‬ناصرية‭ ‬جمال‭ ‬حمدان‭ ‬الفلسفية‭ ‬كانت‭ ‬خيالا‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬جراب‭ ‬المصرى لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬مفاجآت‭ ‬مدهشة؟ 

بوابة الأهرام العربى- مقالات - هل‭ ‬مصر‭ ‬محتلة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق