اختار رئيس قطاع الأخبار سابقًا في اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، لندن ليروي تجربته خلال ثورة 25 يناير. ويتحدث عبد اللطيف المناوي في حوار مع إيلاف عن التحديات التي كان يتعرض لها التلفزيون المصري أثناء الثورة. ولا يخفي المناوي تشاؤمه من الحال الذي وصلت اليه الأمور لكون مستقبل مصر بات غير واضح في ظل وضع بات فيه تيار الاسلام السياسي هو القوة الوحيدة المطروحة على الشارع.
فيصل عباس من لندن: يدرك المتخصصون في مجال "العلاقات العامة" أهمية أن تكون سباقًا في التفاعل مع أي قضية بمجرد حدوثها، فالقاعدة الذهبية تفيد أنه "من الأفضل دائمًا ان تروي قصتك بنفسك، بدلاً من أن يرويها شخص آخر نيابة عنك".
وهذا هو تماما ما فعله الصحافي المصري عبد اللطيف المناوي، رئيس قطاع الأخبار سابقًا في اتحاد الاذاعة والتلفزيون المصري، بإصداره كتابا بعنوان "تحرير: الأيام الـ18 الأخيرة لمبارك" Tahrir: The Last 18 Days of Mubarak يروي فيه تجربته الشخصية ومشاهداته خلال ثورة 25 يناير، والذي سقط بموجبها الرئيس محمد حسني مبارك العام الماضي، بعد 3 عقود امضاها على رأس هرم السلطة في مصر.
المناوي، الذي شغل منصب رئيس قطاع الاخبار بين نيسان (إبريل) 2005 وإبريل 2011، تعرض للكثير من الانتقادات حول اداء التلفزيون المصري الرسمي خلال الثورة. البعض اتهمه وفريقه بأنه كان يغض البصر عمدا عن المتظاهرين ويعمد الى اخفاء صوتهم وعدم بث آرائهم، اخرون اعتبروه انه كان اداة في يد الحكومة، وحيكت القصص والروايات حول تغطية التلفزيون المصري في تلك الفترة.
لذلك، اختار المناوي ان يأتي بكتابه إلى لندن ويواجه الصحافة ابتداء من"هارد-توك" اقسى البرامج الحوارية على هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي)، والذي لم يتردد مقدمه ستيفان سوكر ان يبدأ الحلقة بسؤال رئيس قطاع الاخبار السابق ان كان يشعر بأي نحو من الخجل لدوره في ما حصل في مصر، وكانت إجابة المناوي "بالتأكيد لا".
غلاف الكتاب |
وعلى الرغم من تنوع الصحف والمجلات التي أعطاها المناوي فرصة طرح كافة الاسئلة المتعلقة بادائه خلال فترة الثورة، فإن رسالته كانت واضحة وموحدة... هو لم ينف ان اداء التلفزيون لم يكن مثاليا، لكنه في الوقت نفسه اشار الى التحديات والمعوقات التي كان يتعرض اليها، وهو اليوم يفكر جديا في طرح وثائقي حول تغطية التلفزيون المصري للثورة.
عموما، فإن من يقرأ كتاب المناوي سيلاحظ تأرجحا بين انتقاد النظام تارة، وشرح - وربما الدفاع - عن بعض ممارساته تارة أخرى. فمثلا هو يكرر الإشارة إلى أن الرئيس مبارك كان يتلقى تقارير تقلل من شأن القضايا التي كانت تحدث حوله، وانه كان محاطا بمستشارين كانوا اكثر حرصا على "مشروع التوريث" من مصلحة البلد، وعلى رأسهم ابنه جمال مبارك.
لكنه من جهة ثانية يكتب مستبعدا ان يكون سائقو مركبات الشرطة التي داست المتظاهرين في الفيديوهات التي شاهدها الملايين على موقع "يوتيوب" قد فعلوا ذلك عمدا، مضيفا ان الامر يرجع الى ضعف قدرتهم على القيادة وعمليات التخريب التي تمت على المركبات بحيث تم طلي واجهات السيارات من قبل المتظاهرين ببخاخات الألوان ما اعاق الرؤية.
عاصفة مثالية
وفي بهو احد فنادق وسط لندن الراقية، التقيت عبد اللطيف المناوي لاجراء حوار صحافي مُطوّل، وتنقّل الحديث بين آرائه السياسية ومسيرته المهنية وحياته الشخصية ومشاريعه المستقبلية.
بداية، يعتبر المناوي ان ما جرى في مصر كان نتيجة ما يمكن وصفه بـ"العاصفة المثالية" A Perfect Storm حيث تجتمع كافة العوامل في حالة معينة لتؤدي نتيجة معينة.
ويقول ان تلك "الحالة" احتوت: "غضبا شعبيا، ازمة اقتصادية، احساس بغبن اجتماعي، خطأ رئيس في ادارة الانتخابات ادى الى تجميع كافة قوى المعارضة ضد النظام بل وقوى داخل الحكومة نفسها والحزب الوطني داخل الدولة، وجود من يريد وضع ابن رئيس الجمهورية خلفا له تحديا لما هو عادي في مصر" إلى جانب عوامل اخرى مثل ان "الحكومة شاخت وطال عمرها وكان لابد ان تتغير من زمان، ووجود رئيس احال جزءا من مسؤولياته لابنه، واصبح غير مقحم بشكل كامل، حالة بطالة نسبية، شباب عندو مساحة من الانفتاح على الخارج والانترنت والحاجات دي كلها، اصبح يريد حياة احسن".
ويضيف بعد ما حصل كل ذلك، آتى من ركب فوق الموجة وقام بخطفه، مشيرا إلى ان من فعل ذلك هم "الاخوان المسلمون".
ويستطرد المناوي "اتصور الحلم كان يمكن وصوله (حلم الدولة المدنية) لو أخذنا 25 يناير بحدود الجرعة الطبيعية ولم نزودها ولو ان الرئيس تنازل او ساعد"، مضيفا: "الجرعة الزائدة اوصلتنا لهذه الحالة، صحيح ان الانتخابات حرة لكن الحالة ليست ديمقراطية، لأن الانتخابات الحرة في مجتمعات لم تتأصل فيها ثقافة الديمقراطية بعد تؤدي إلى ما حدث، وللتذكير فإن الحزب النازي تم انتخابه في انتخابات حرة".
لذلك، فانه وبحسب رأي المناوي فإن ما حدث في مصر هو "انتفاضة اطاحت بالنظام" وهي لم تكن تخطط اصلا للاطاحة به حتى قبل ايام قليلة من انتهاء الثورة.
لذلك، فانه وبحسب رأي المناوي فإن ما حدث في مصر هو "انتفاضة اطاحت بالنظام" وهي لم تكن تخطط اصلا للاطاحة به حتى قبل ايام قليلة من انتهاء الثورة.
وفي هذا السياق ذكر رئيس قطاع الأخبار السابق بأنه يملك رسائل وايميلات من شخصيات قيادية داخل ميدان التحرير استمروا في ارسالها إلى يوم 8 شباط (فبراير)2011. وحسب ما يقول فإن تلك الرسائل طالبته بالتوسط وايصال وجهة نظر هذه الشخصيات لنائب رئيس الجمهورية عمر سليمان ولمستويات مختلفة من الدولة بأن الحل هو في المادة التي تقضي بأن "يحول رئيس الجمهورية كافة صلاحياته لنائبه ويحتفظ بحق اعلان الحرب وحل البرلمان".
وعلى الرغم من انه لا ينفي انه شخصيا "مع التغيير"، الا ان المناوي لا يخفي كذلك تشاؤمه من الحال الذي وصلت اليه الأمور لكون مستقبل مصر "بات غير واضح" في ظل وضع بات فيه تيار الاسلام السياسي هو القوة الوحيدة المطروحة على الشارع. ويضيف: "لو كان النظام اذكى مما كان عليه، او من يدير المعركة كان اذكى، او الرئيس اقل عنادا، لم تكن الامور لتصل الى هنا".
آداء الإعلام الحكومي
يتحدث المناوي في كتابه وفي اثناء الحوار معه عن صراع 3 معسكرات خلال فترة الثورة في مصر، فيشير الى معركة كانت تجري خلف الكواليس بين كل من القصر الجمهوري، الجيش، والمخابرات. ويضيف ان ما حصل هو ان اثنين من هذه المعسكرات اختارا التحالف، وهما الجيش والمخابرات، في وجه معسكر القصر.
لكنه يوضح: "كان التحالف ليس بغرض اسقاط النظام او الرئيس، لكن الحيلولة دون ان يصبح (نجل الرئيس المصري) جمال مبارك رئيسا، والقصر كان يريد عكس ذلك تماما". وعلى الرغم مما ترتب على هذا الخلاف من محاذير ومتطلبات اعلامية متضاربة كان على المناوي ان يتعامل معها، الا انه يزعم بأن احدا لم يسع الى تشويه صورة المتظاهرين.
ويقول: "ممكن حال أن يقلل من قيمة وتأثير وحضور (المتظاهرين)، حاول ان يتكلم عن محاولة اختطاف للشارع، ان هناك شبابا معترضا، ايادي خارجية... لكن لم يكن هناك هجوم مباشر". ولا ينفي المناوي انه خلال الفترة الاولى من الثورة، كان أمر نقله له وزير الاعلام السابق أنس الفقي بعدم استضافة المتظاهرين وإظهار اصواتهم، الا أن الامر تغير بعد ذلك.
ويضيف المناوي كذلك ان عددا من كاميرات التلفزيون المصري كانت تحطم لدى نزولها الى ميدان التحرير، ما اضطره الى الاستعانة بكاميرات المراقبة المركبة على سطح مبنى التلفزيون لالتقاط صور لميدان التحرير. أما بخصوص صورة النيل التي تكرر استخدامها، فهو يقول انها كانت تستخدم "لإراحة الهواء" بحكم ان التغطية كانت مستمرة.
من جهة ثانية، نفى المناوي ان يكون التلفزيون المصري هو الذي اطلق حملة "شباب كنتاكي" التي اتهمت شباب التحرير بأنهم يعملون لجهات خارجية تدفع لهم وتقدم وجبات مجانية من مطاعم "دجاج كنتاكي". وقال موضحا: "ذكر الموضوع مرة واحدة" مضيفا ان الحملة المضادة التي نفذها الشباب عبر تصويرهم لبعض وهم يأكلون الفول والوجبات الاخرى في ميدان التحرير (في نفي لكونهم يأكلون الكنتاكي) ونشرها عبر الانترنت هي التي جعلت التلفزيون المصري يبدو وكأنه هو من يتهمهم بذلك.
الاستقالة ومستقبل الاعلام الحكومي
يقول المناوي ان استقالته التي جاءت يوم 4 نيسان (إبريل) الماضي جاءت وفقا لارادته، وذلك بعد أن توصل لقناعة بأن ما اراد تحقيقه لم يتم، معتبرا ان ما حققه منذ ان بدأ العمل في اتحاد الاذاعة والتلفزيون كان نجاحا نسبيا.
ويضيف انه خرج بقناعة وهي انه حتى ينجح الاعلام الرسمي ويتحول الى ما يصفه "اعلام دولة" او "اعلام دافعي الضرائب" فلا بد ان يتخلص (الاعلام الرسمي) من مجموعة الامراض الرئيسة الموجودة فيه، ويلخصها المناوي كما يلي:
اولا، الزيادة العددية المبالغ فيها والحديث هنا عن 43 الف موظف في حين ان الاحتياج الحقيقي لا يزيد عن 10% مع المبالغة وبالتالي نحن نتحدث عن 4-5 الاف موظف وبالتالي نحن نتحدث عن 38 -40 الف موظف اضافي قررت الدولة ان تتبناهم. ويكشف المناوي في هذا السياق بأن مرتبات الـ 43 موظفا تبلغ مليارا ونصف جنيه مصري قبل الانتاج، ما يعني انه بعد دفع الفوائد والدين تبدأ السنة المالية للاتحاد بعجز في الميزانية يبلغ 900 مليون جنيه دون حتى ان يبدأ الانتاج.
ثانيا، ان تكون هناك ارادة سياسية حقيقة لدى النظام في تحويل الاعلام الى "اعلام دولة" بالفعل، وبالتالي تنفيذ ما هو موجود في القوانين والتنظيمات الخاصة في اتحاد الاذاعة والتلفزيون – اعلام الدولة لا ينبغي ان يختفي بل يبقى بعد ان نتفق على دوره.
ثالثا، استعادة الفكرة الضائعة او الفريضة الغائبة داخل هذا الاعلام وهي عملية التعلم والتدريب المستمر – وهذه مسألة في غاية الاهمية وهي اخر حاجة في اجندات وسائل اعلام الحكومية توضع باعتبارها من اشكال الترف، لاعادة تأهيل وتدريب الصحافيين انك تطلعهم من مفهوم الموظف الى صحافي.
من جهة ثانية يعمل المناوي حاليا على دراسة اطلاق مشروع اعلامي خاص وصفه بانه "حلم مصري عربي"، يسعى للحفاظ على مدنية الدولة. عبد اللطيف المناوي: حلم الدولة المدنيّة في مصر بات بعيدًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق