الخميس، 12 أبريل 2012

وعسى أن تكرهوا شيئًا .. معتز بالله عبد الفتاح .. الشروق


حكم محكمة القضاء الإدارى فرصة أكثر منها أزمة. هى فرصة لأن نتعلم جميعا ما يلى:

أولا مصر فيها مؤسسات لا بد أن تكون طرفا فى عملية إعداد الدستور، وقضاء لا بد أن تُحترم أحكامه، ورأى عام لا يمكن تجاهله. الرئيس أوباما والديمقراطيون كان معهم الأغلبية فى الكونجرس فى أول سنة من سنوات حكمه، ولكنه لم يستطع أن يفعل الكثير لأن التغييرات التى أرادها الديمقراطيون لم تلق الكثير من الترحاب من الرأى العام الأمريكى. وهذا هو معنى أن الطموح السياسى لابد أن يواجهه الطموح السياسى المضاد، فلا يوجد من يأمر والباقى يطيع.

ثانيا الأغلبية فى عالم السياسة نوعان: أغلبية زكية لماحة قادرة على قراءة المشهد وخلق التوافق، وأغلبية متغطرسة محدودة الأفق شديدة الاعتداد بالذات. ولقد سعدت بقبول حزب الحرية والعدالة لقرار المحكمة الإدارية وتصرفت وفقا لما تمليه عليه المسئولية الوطنية.

ثالثا مصر ليست مطية أحد، وإنما هى للجميع. وقد نجحت الانسحابات المتكررة من الجمعية مع الموقف المشترك لعدد من المؤسسات مثل الأزهر الشريف والكنائس الكاثوليكية وبعض النقابات ومعهم الأعضاء المستقلون من أعضاء الجمعية التأسيسية فى إرسال رسالة قوية للغاية بأن مصر ما بعد مبارك ليست كمصر ما قبل مبارك، وأن أختام الوطن ليست بيد أحد منفردا، وإنما مصير الوطن يحدده جميع شركاء الوطن.

رابعا أرجو أن يعى الأصدقاء فى أحزاب الأغلبية المحافظة دينيا رسالة مهمة: لا تسيئوا فهم الأصوات التى حصلتم عليها، فهى أصوات جاءت بسرعة، وستذهب بسرعة إن لم تعوا أن الطبقة الوسطى المصرية كبيرة حجما وقادرة على أن تعطى ثقتها لمن تشاء وأن تسحبها ممن تشاء.

خامسا لا يصح إلا الصحيح، وكما أوضحت فى هذا المكان من أكثر من أسبوع أنها كانت «جمعية غير جامعة» نتيجة أخطاء فى إجراءات تشكيل الجمعية، وقد أعطت هذه الأخطاء فرصة للتيار الليبرالى واليسارى أن يتصرف بشىء من التنسيق الذى أتمنى ألا يزول بسرعة، لأن الوطن بحاجة لمعارضة قوية كما هو بحاجة لأغلبية قوية «وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا».

إذن ما العمل لإصلاح العطب؟

أولا، كما أن هناك قانونا لانتخابات مجلس الشعب، وكما أن هناك قانونا لانتخابات الرئاسة، فلا بد من قانون تشكيل الجمعية التأسيسية وفقا لمعايير سابقة على الأشخاص وليس من بينها الولاء الحزبى أو الأيديولوجى وقواعد صريحة لتنظيم عملها. وبالمناسبة، كانت اجتهادات «بيت الحكمة» فى هذا لأمر كفيلة بألا نضيع كل هذا الوقت والجهد، حيث كان مشروع القانون معدا وإجراءات انتخاب الجمعية وإدارة أعمالها كلها مكتوبة تفصيلا دونما أية اعتبارات حزبية أو أيديولوجية.

ثانيا، لا بد من احترام قرارات المؤسسات المختلفة، فلترسل كل مؤسسة عددا من المرشحين ثلاثة أمثال العدد المطلوب لتمثيله فى الجمعية، وليختر أعضاء مجلسى الشعب والشورى غير المعينين من بين هذه الترشيحات (وليس من خارجهم) العدد المطلوب.

ثالثا، لا بد من وثيقة مرجعية لطمأنة الجميع بشأن مستقبل الوطن. ولا أجد أفضل من وثيقة الأزهر التى شرحت تفاصيلها عدة مرات من أجل أن تكون هى الوثيقة المرجعية؛ فهى بحق وثيقة جديرة بأن تكون نقطة الانطلاق فى صياغة دستورنا. ويكفى أن المؤسسات الدينية والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى قد وقعوا عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق