الأحد، 26 فبراير 2012

رسالة مبصرة من غير مبصرين ! .. نسرين عجب .. إيلاف



لم يلحظ وجودي عندما دخل، بادرته بالتحية معرّفة بنفسي رفع رأسه ورحّب بي بابتسامة لطيفة، كانت عيناي تراقبانه وهو يتلمس طريقه حتى يصل الى حيث أقف ومن ثم الى قاعة الاجتماعات حيث بدأنا الحديث.
جعلني للحظات أنسى أن الله أعطاني نعمة البصر فكرّست أذني لتسمعه وتمنيت للحظات أن لا تكون عيناي قادرتين على رؤية ملامح عينيه اللتان لا تتحركان، عيناه التائهتان في عالمه الخاص، العالم الذي مهما حاولنا أن ندخل اليه استعصى علينا لأنه ببساطة غير ملموس مادياً ولا حتى بالرؤية فهو عالم الشعور والأحاسيس التي كل منا يعاينها من زاويته ومنظاره الخاص. حسناً أصبح من المسلّم به أن الجلوس معه مختلف.. نعم الشعور في حضوره وكلامه مختلفاً عن الباقين، فهو الضعيف القوي بالنسبة لي.. أنا المبصرة.
في سياق الحديث ذكرت أمامه سني خبرتي وقال لي ليس ظاهر عليك وابتسم.. ابتسمت وفي داخلي غصة، وكأن اللاوعي الذي في داخلي ابتسم كي لا يريه الانفعال الحقيقي الذي تولّد.. أردت أن ترى عينيه ابتسامتي كي لا يشعر بأني أشفق عليه.. فلا يحّق لي أن أشفق عليه فكم من مبصر لا يبصر وكم من فاقد بصره مبصراً.. وكثيراً جداً!
وفي اليوم التالي، وضعني القدر مجدداً مع حالة مشابهة في ورشة عمل حول دور المرأة في الحوار الاسلامي المسيحي. كان حضوره مميزاً بسعة ثقافته وعمق أفكاره مما خلق حافزاً في داخلي بالرغبة بالتعرف اليه أكثر، سمعه قلبي قبل أن تسمعه أذناي، ولا أدري ما الذي كان يدفعني الى النظر اليه ومجدداً الابتسام وكأني أريد أن أقول له ولو لم يراني أني أحترمه وأحترم عزمه على المضي قدماً رغم أن هناك ما يعيقه.. صودف أن مكاني كان الى جانبه خلال معظم جلسات الورشة، كنت أرى بعداً عميقاً في نظرته للأمور، كنت أسمعه فقط لأني كنت أستمتع الاستماع مع أنه كان في داخلي ازدحام من الأفكار والاسئلة التي تحركت في داخلي حشرية معرفة الاجابة عنها ولكني لم أقوى على سؤاله. أردت أن أسأله من أين يجلب هذه القوة، ولكني تحفظت، لم أجرؤ أن أسأله كيف يكون شعوره عندما يحدّثه أحد عن غير قصد عن شيء جميل رآه... لم أجرؤ... وفي اليوم الأخير من ورشة العمل، اقتربت منه لأودعه وما أن تلفظت بأول كلمة حتى عرفني من صوتي وأنا بالكاد تحدثت اليه قبل أربعة أيام، وفيما أخذتني الدهشة ودّعني بحفاوة على أمل اللقاء مجدداً.
لا أعرف لما وما الرسالة التي تريد أن توصلها لي الحياة بأن تضعني على مدى يومين متتالين على تماس مع شخصين فقدا حاسة البصر.. ففي الوقت الذي كان ينتابني شعور بالضيق من أمر واقع أصبحنا نعيشه في هذا البلد، كنت أرى الحياة والحماس في عيونهما المغلقة على العالم مما استوقفني لأفكّر الى أي مدى نحن المبصرون مبصرين لقيمة ما نملك مقارنة مع أخرين فقدوا هذه النعمة.
رجلان... كاملا العقل والثقافة جعلاني أصغي اليهما بكل حواسي أنظر اليهما بكل عناية واهتمام.. أتفاعل معهما بشكل طبيعي جداً وفي داخلي احساس قوي أنهما يشعران بذلك علماً أنهما عملياً غير قادرين على رؤيتي أو تمييز شكلي... لا أدري ما الرسالة التي أرادت الحياة أن توصلها لي من خلالهما خصوصاً أن يوماً واحداً فقط كان الفاصل بين لقائي بكل منهما.
استوقفني شدة اهتمامي بهما وضيقي، والذين قد يكونا نابعين من سببين، الأول مرده انساني أني أمام شخص غير قادر على رؤيتي أو رؤية العالم من حولي وحوله رغم أن في داخله الكثير من الجواهر القيمة التي يتخطى بها المبصرين تقنياً، والثاني لأنهما أشعراني بضعفي فأنا أستطيع أن أبصر العالم من حولي وليس هناك ما يعيقني بمفهوم الاعاقة ولكني في أحيان كثيرة أشعر أني مكبّلة ومقيّدة وهناك الكثير الكثير مما يجعلني معوّقة في بلد فقد معظم شبابه الأمل منه.
أردت أن أسألهما كيف يشعران في بلد لا يُحترم فيه الانسان، لا سالماً ولا معوقاً، واذا كانوا أقوياء فعلاً أم أن القوة التي نراها في عيونهم المطفأة ما هي الا ردة فعل عكسية على مشاعر ملتهبة مختزنة في الأعماق. أردت أن أسألهما ما هي أمنيتهما في الحياة أن يستعيدوا بصرهما وتتراجع عيونهم عن بياضها أم أن الحال الذي آل اليه لبنان يجعلهم غير عابئين بما حل بهم وأمنياتهم تتعداهم الى أمنيات أكبر، أمنيات أصبحت بالنسبة لنا من المستحيلات تحت الشمس؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق