قرّاء إيلاف يعتبرون زيارة المفتي روحية |
القاهرة: بينما كانت الدول العربية والإسلامية مشغولة بمشاكلها وأزماتها التي لا تنتهي، وبينما تستمر إسرائيل في سياستها الرامية إلى هدم المسجد الأقصى، وتهويد مدينة القدس، فاجأ مفتي مصر الدكتور علي جمعة الجميع بزيارة المدينة المقدسة للمرة الأولى منذ خضوعها للإحتلال الإسرائيلي في الخامس من حزيران (يونيو) 1967، وأحدثت زيارته التي قام بها ظهر الأربعاء 18 نيسان (أبريل) 2012، ردود فعل متباينة، بين مؤيد ومعارض، لاسيما أن جمعة شخصية إسلامية معروفة، ويشغل ثاني أكبر منصب ديني في مصر بعد شيخ الأزهر.
تعرّض جمعة لإنتقادات عنيفة من جانب علماء الإسلام والسياسيين في مصر، وحركة حماس، التي تسيطر على السلطة في قطاع غزة، وطالب البعض بمحاكمته بتهمة الخيانة، وإقالته من منصبه، وفي الوقت عينه خرجت أصوات معلنة تؤيد الخطوة التي أقدم عليها، ولكنها لم تكن أصواتاً عالية، كتلك التي انتقدته.
ورغم صعوبة الموقف والقلق من إتهامات العمالة والتخوين، إلا أن قرّاء "إيلاف" اختاروا الوقوف في الجانب الصعب، إنطلاقاً من أن زيارته إلى القدس والصلاة فيها، كانت زيارة روحية، لا علاقة لها بالسياسة ودروبها الملتوية.
قرّاء إيلاف إلى جانب المفتي
طرحت "إيلاف" على قرّائها السؤال التالي: "زيارة مفتي مصر إلى القدس: بداية تطبيع.. روحية لا علاقة لها بالسياسة.. لا أهمية لها؟". وإنحازت الغالبية العظمى من المشاركين في الإستفتاء إلى خيار "زيارة روحية لا علاقة لها بالسياسة"، وشكل هؤلاء 1814 قارئاً، أي نسبة 44% من إجمالي المشاركين، الذين بلغ عددهم 4100 قارئًا.
بينما تبنى 1055 قارئاً بنسبة 26% نظرية المؤامرة، واعتبروا الزيارة بداية للتطبيع مع إسرائيل، ورأى 1231 قارئاً، بنسبة 30% من المشاركين أن الزيارة لا أهمية لها، ولا تدخل في إطار التطبيع، وهو خيار يخرجها من دائرة السياسة أيضاً.
خيانة وتطبيع
جاءت ردود الفعل الغاضبة، إنطلاقاً من كسر المفتي للحظر الذي فرضته القيادات الدينية في مصر، سواء الإسلامية أو المسيحية، على زيارة المسلمين أو المسيحيين للقدس، طالما أن المدينة تحت الإحتلال الإسرائيلي، معتبرين أن السماح بزيارتها وهي في تلك الحالة يدخل في دائرة الإعتراف الصريح بما تدعو وتكرّس له إسرائيل من أن "القدس بشقيها الشرقي والغربي عاصمة أبدية لإسرائيل"، كما إنه يدخل في إطار "تطبيع العلاقات مع إسرائيل، رغم أنها تحتل أراضي عربية".
لذلك اتهمه البعض في مصر بالخيانة العظمى، وطالبوا بمحاكمته وإقالته من منصبه، وكان الشيخ سيد عسكر، رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري، أول من تبنى تلك الإتهامات، وقال لـ"إيلاف": "إن زيارة مفتي مصر إلى القدس، رغم أنها تحت الإحتلال الإسرائيلي تشكل اعترافاً عملياً بالإحتلال، وتأكيداً على أنها مدينة يهودية".
وأضاف أن الزيارة تعتبر أيضاً مباركة منه لإجراءات هدم المسجد الأقصى، وسلخ المدينة كلها من هويتها الإسلامية، ووصف عسكر، الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، الزيارة بأنها "خيانة عظمى"، تستوجب إخضاع المفتي للمساءلة القانونية والبرلمانية، وإقالته من منصبه.
ولفت إلى أن جمعة لن يمضي إلى حال سبيله من دون عقاب بعدما أهدى إلى إسرائيل هدية ثمينة سوف تستغلها دولياً، وسوف تضرّ بموقف القدس في مفاوضات السلام.
الزيارة أضفت شرعية على الاحتلال
وحمّل أمين إسكندر، النائب في البرلمان عن حزب الكرامة الناصري، على المفتي بشدة، متهماً إياه بدعم الإحتلال الإسرائيلي، وانتقد دفاعه عن نفسه بالقول إنها زيارة شخصية، ولا علاقة لها بمنصبه الرسمي.
وقال إسكندر لـ"إيلاف" إنه لا يمكن أن يفصل صاحب المنصب الرفيع ما بين شخصه وشخصيته الرسمية، ولفت إلى أن المفتي ارتكب خطأ كبيراً بتلك الزيارة، لاسيما أنها تصب في مصلحة إسرائيل، كما إنه كثيراً ما هاجم من يقوم بها في ظل الإحتلال الإسرائيلي، ويضفي شرعية على هذا الإحتلال.
ودعا إسكندر المفتي إلى تقديم إستقالته من منصبه، والإعتذار على تلك الزيارة للفلسطينيين والمصريين وسائر المسلمين.
عار
واعتبر إئتلاف القوى الإسلامية ومتخرجي الأزهر أن الزيارة بمثابة "العار"، وقال الدكتور محمد علي عثمان عضو الإئتلاف لـ"إيلاف" إن الآلاف من طلاب الأزهر يستنكرون زيارة المفتي إلى القدس.
مشيراً إلى أنهم نظموا مظاهرة أمام دار الإفتاء في القاهرة، وهتفوا فيها "يا دي الذل والخيانة المفتي خان الأمانة"، و"هنرددها جيل ورا جيل لن نعترف بإسرائيل"، و"لا تطبيع مع المحتل.. الجهاد هو الحل"، وانتقد موقف الأزهر والحكومة والمجلس العسكري من زيارة المفتي إلى القدس، حيث مرت بالفعل من دون عقاب يعادل الفعل، ويكون رادعاً لأي مسؤول أو عالم ديني يقدم على هذه الخطوة مرة أخرى، متوقعاً أن يتكرر السيناريو من علماء أو مسؤولين آخرين خلال الأيام المقبلة.
دفاع عن المفتي
في المقابل، انطلقت حملات للدفاع عن المفتي على مواقع التواصل الإجتماعي، ولاسيما فايسبوك، ومنها صفحة "شبكة الدفاع عن الإمام"، "حملة المليون تأييد لمفتي الديار المصرية".
وكتب أحد أعضاء الصفحة الأولى تعليقاً جاء فيه: "زار عدد من كبار علماء الأمة المسجد الأقصى في وقت احتلال الفرنجة ومنهم: حجة الإسلام الغزالي والإمام الحافظ أبو المظفر السمعاني والإمام الشاطبي صاحب الشاطبية والمحدث أبو المظفر سعيد بن سهل المشهور بـ"الفلكي"، بعدما أخذ له نور الدين محمود زنكي الإذن من الإفرنج.
وحاول عدد آخر كالحافظ السلفي والحافظ ابن عساكر فلم يتمكنوا من الزيارة، فلماذا كل هذا الغضب ضد الإمام علي جمعة"؟؟.
وكتب آخر " أفيقوا يا أمة محمد، أفيقوا يا مصريين للمخطط اللي بيعمل على هدم أزهرنا ورموزه من خلال عملائه في مصر، فالعالم الوطني الجليل الدكتور علي جمعة فضيلة زار المسجد الأقصى أولى القبلتين بدعوة من المملكه الأردنية، دونما الحصول على أي تأشيرة إسرائيلية، ولم يكن سيادة المفتي ليقبل إن لم يكن قد رأى في ذلك مصلحة لمصر ولفلسطين المحتلة والمعزولة بحجة عدم التطبيع".
وكتب ثالث: "زيارة مهمة، لأن الصراخ وحده لا يكفي لإثبات حقنا في مدينة الله، فلا بد من زيارات عربية واسلامية لنقول لليهود وغيرهم إن هذه قضيتنا وأرضنا تحية للمفتي د.علي جمعة".
وإعتبر الدكتور الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، أن الزيارة جيدة، وسلطت الأضواء على قضية القدس، وقال لـ"إيلاف" إنه يرفض إتهام المفتي بالخيانة، كما يرفض الدعوات إلى إقالته من منصبه، مشيراً إلى أن زيارة علماء الإسلام إلى القدس تعتبر نصرة لها، وليست تطبيعاً.
الزيارة ليست تطبيعاً
وكان الدكتور منصور حسن، وزير الثقافة والإعلام المصري السابق، ورئيس المجلس الإستشاري، من الشخصيات القليلة التي رأت أن زيارة المفتي إلى القدس لا تدخل في إطار التطبيع.
وقال في بيان له: "أقيمت ضجة كبرى حول زيارة فضيلة المفتي إلى القدس والمسجد الأقصى، ولم يكن هناك داعٍ لذلك، لأن فضيلة المفتي لم يخطئ في زيارته هذه، لأنه لم يزر إسرائيل أو أيًا من الأماكن الإسرائيلية، ونحن بالقطع مع مقاطعة إسرائيل وكل ما يمت لها بصلة، لكن المسجد الأقصى مسجدنا نحن، ومن حقنا، بل واجب علينا زيارته رغم أنف إسرائيل والعقبات التي تضعها أمام ذلك".
وأشار إلى أن كل ما تتمناه إسرائيل هو أن يمتنع المسلمون عن زيارة المسجد الأقصى والقدس مدة طويلة، فيدعون أمام العالم أن المسلمين غير مهتمين به ولا يعنيهم، فالواجب أن نسعى إلى زيارته.
وأنهى حسن بيانه بالقول: "أعلم أن قولي هذا سباحة ضد التيار الجارف السائد الآن، لكنني وجدت أنه من واجبي أن أقول قول حق، فإن أمورنا تنصلح بعاطفة أقل وعقلانية أكثر".
قرّاء إيلاف: زيارة مفتي مصر إلى القدس بريئة من التطبيع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق